عن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة خاطب الشعب التونسي بقوله : هنيئا لكم بهذه الانطلاقة الحيّة المتحفّزة والثابتة. وهنيئا لكم ببورقيبة قائدا حكيما ومربّيا فاهما وزعيما يستحقّ لقب الزعيم. أوصيكم بأن لا تتخاذلوا وأن تكونوا يدًا واحدة في بناء هذا الوطن. بقلم محمد رؤوف يعيش آثرتُ في هذه المصافحة اللطيفة مع قرّاء جريدة الشروق الغراء أن أعود إلى السنوات الأولى لاستقلال تونس وإعلان جمهوريتها، حيث سعدت بقدوم الأديب اللبناني والعربي الكبير ميخائيل نعيمة في مطلع ستينات القرن الماضي... وقد أعدّت للضيف المبجّل مراسم استقبال تليق بمقامه . وقد خصّ ميخائيل نعيمة باستقبال الرئيس الحبيب بورقيبة في قصر الجمهوية بقرطاج الذي دعاه إلى مأدبة غداء. وسأركّز بهذه المناسبة على استعراض الارتسامات التي أعرب عنها ميخائيل نعيمة في خاتمة زيارته، وبالتحديد في مستهلّ محاضرته الثالثة والأخيرة «الغربة العظمى»: حيث قال مخاطبا الجمهور الحاضر، ومن ورائه الشعب التونسي: «إنه ليؤلمني أن تشرف زيارتي على نهايتها، ولكنها ما أشرفتْ على النهاية إلا بعد أن تركت في نفسي، ونفسي التي كانت رفيقتي في هذه السفرة، أبلغ الأثر. وما من شك في أننا سنحمل من هذا البلد الكريم العزيز المبارك أطيب الذكريات لهذه الأيام القليلة التي أمضيناها معكم وبينكم. لقد أسعد قلبي فرحا في جولاتي القصيرة التي قمت بها في عاصمتكم وضواحيها وإلى القيروان، أن أرى النشاط العظيم الذي يبدو في جميع مرافق الحياة عندكم. إنّ نبض الحياة في هذا البلد الكريم لَنبْضٌ فيه الكثير من الزحف، وفيه الكثير من الإيمان وفيه الكثير من الحركة. إنه نبض متسارع متصاعد، وما كان كذلك لو لم يكن في تربتكم وفيكم، ما يساعدكم على هذه السرعة، وعلى هذه الانطلاقة. وكذلك لو لم تهيّء الأقدار لكم قائدا حكيما ومربيا فاهما وزعيما يستحقّ لقب الزعيم، لأنه يتصل بكم مباشرة، يتّصل حتى بأحلامكم، يتّصل بأمانيكم، يتّصل بأشواقكم وتطلّعاتكم إلى حياة أفضل وأبعد وأهنأ. وأنتم تتجاوبون معه كلّ التجاوب، وذلك أمر نادر في الكثير من أقطار الأرض، وعلى الأخص الأقطار العربية. فما تعوّدنا أن نجد تلك الصلة المتينة القريبة بين الحاكم والمحكوم، وما تعوّدنا أن نرى حكّاما يحسبون أنفسهم خدّام الشعب، لا أسياده، فالفرق شاسع جدّا بين حاكم يرى نفسه سيّدا، وبين حاكم يرى نفسه خادما. والحاكم الذي يخدم بإخلاص، بمحبّة، بتفانٍ، كما قيّظ لكم الله أن يكون لكم حاكم من هذا الطراز، هو حاكم نادر.» ويواصل ميخائيل نعيمة في معرض حديثه عن تونس ورئيسها الحبيب بورقيبة قائلا: «وإني، كما لمست في أرضكم قوّة فوّارة، لمست في أرواحكم قوّة فوّارة. وأنا أقول هذه الكلمات لا مجاملة ولا تملّقا ولا تزلّفا، لأني ما تعوّدت أن أجامل أو أن أتملّق أو أن أتزلّف، وأقولها كلمات لوجه الحق، كما تراءى لي خلال الأيام القصيرة التي أمضيتها بينكم، وكما سمعته من شفاه الكثير منكم، وما قرأته في وجوه الكثير منكم، فهنيئا لكم بتربة خصبة كتربتكم، وهنيئا لكم بانطلاقة حيّة متحفّزة وثابتة، كالانطلاقة التي شهدتها في بلادكم وفيكم، وهنيئا لكم برئيس يحبّ نفسه خادما لكلّ منكم. وإذا تمنيت لكم شيئا، فأن تمضوا في الطريق الذي اختطموه لكم، وأن يتزايد إيمانكم بقدرتكم على بلوغ الهدف الذي وضعتموه لحياتكم، وأن لا تتخاذلوا، وأن تكونوا يدًا واحدة في بناء هذا الوطن ، لكي يكون دعامة كبيرة وقوية في بناء الوطن العربي الأكبر إن شاء الله.» هذه الكلمات الجميلة والمؤثّرة صدع بها ميخائيل نعيمة، وأكّد أنه كان صادقا فيما قاله. وقد رأيت من المفيد التذكير بها، من باب الأمانة التاريخية، حتى لا يُمحى الماضي وتندثر إيجابياته من الذاكرة الوطنية، خصوصا وأن الأمر يتعلّق ببورقيبة رمز تونس الحديثة.