المتصفح اليوم لعروض الشغل محليا وعالميا، سيلاحظ شروطا جديدة لانتدابات أصحاب الشهائد العليا، ومنها خاصة اكتساب المهارات الرقمية وحذق التقنيات الجديدة، وهو ما يطرح إشكاليات تتعلق بمدى "تأقلم" الخريجين القدامى والجدد مع مهارات التحوّلات الرقمية الجديدة. تونس الشروق: "صحيح أني كنت أواجه مشاكل في التشغيل بسبب نقص الخبرة ، لكن وخلال السنوات الأخيرة أصبح أصحاب المؤسسات يشترطون إضافة إلى مهارات التخصص الذي درسته في التصرف، مهارات أخرى تتعلق بالتقنيات الرقمية والقدرة على التعامل مع وسائل الاتصال الاجتماعي وغيرها." كانت تلك شهادة علاء متخرج من شعبة التصرف، والذي يبحث عن وظيفة منذ سنوات. ويبدو أن مشاكل البطالة قد تفاقمت في صفوف خريجي التعليم العالي الذين تصل أعدادهم سنويا الى حوالي 58 ألف خريج جديد يجدون صعوبة في الاندماج في سوق الشغل، وحسب بعض الدراسات فإن 5 بالمائة فقط قادرون على الاندماج بسرعة في سوق الشغل. كما نجد أن ثلث العاطلين من أصحاب الشهائد العليا. ويشير الخبراء إلى ان من أبرز اسباب البطالة عدم تمكن المتخرجين من مهارات أساسية يتطلبها العمل إضافة إلى مستوجبات سوق الشغل الجديدة والمتعلقة بالتحولات الرقمية. تأخر عن الركب يروج المسؤولون في الحكومة الحديث عن التحولات الرقمية كباب يفتح الفرص الجديدة للتشغيل ويخلق الثروة في الاقتصاد التونسي. لكن الواقع يشير إلى أن المؤسسات التي تواكب ما يجري في العالم من تحولات، تطالب بمهارات التحول التقني في اساليب العمل من أدوات التواصل الاجتماعي والأنترنت وتعتبر التقنيات الرقمية عاملا اساسيا للتشغيل جنبا إلى جنب مع الشهائد التي وقعت دراستها، وهو ما لا يستجيب إليه أغلب المتقدمين لوظائف حسب عدد من أرباب المؤسسات. وقد تحدث لنا عدد من أصحاب المؤسسات التونسية والتي تتميز بشراكات وتعامل مع دول أجنبية عن إشكاليات التوظيف، فإما أن يكون طالب الشغل من اختصاص الإعلامية دون مهارات أخرى وشهائد أخرى في مجال التوظيف مثل التصرف أو التسويق أو اللغات أو التزويق أو الهندسة، وإما أن يكون له تخصص في مجال ما دون إيجاد توظيفه تكنولوجيا. التحوّل الرقمي كان وزير التعليم العالي السابق والخبير في تكنولوجيا الاتصال توفيق الجلاصي قد تحدث خلال ندوة تناولت التحولات الرقمية مؤخرا عن الفرق بين الرقمنة وما نعنيه بالتحول الرقمي. وقال إن مفهوم التحول الرقمي مختلف عن الرقمنة التي تعني استخدام الحواسيب. فالتحول الرقمي يعني تحولا في الاستراتيجية ورؤية المستقبل في طريقة تسيير المؤسسات وعملها. وتتجه سوق الشغل العالمية اليوم إلى تحول في طريقة عمل المؤسسات وطرق تواصلها مع الحرفاء ونوعية الخدمات عامة في طرق خلقها للثروات، وطرق الترويج، ومن هذا المنطلق تصبح آليات عمل المؤسسات مختلفة وهو ما ينعكس على ملامح طالب الشغل المطلوبة. وقد اعتبر الدكتور توفيق الجلاصي أن تونس متأخرة بأشواط كبيرة في هذا المجال، فيما تبقى بعض المحاولات بطيئة، وهو ما يتطلب تغيرا في العقليات في المؤسسات العمومية ومتابعة أكثر من أصحاب مؤسسات القطاع الخاص لما يحدث في العالم من تحول رقمي للمؤسسات الاقتصادية والخدماتية. إشكاليات التشغيل تشير مصادر خبيرة من وزارة التشغيل إلى ضرورة وضع آليات جديدة تواكب التغيرات العالمية وتحدث آليات لتمكين الشباب من الخريجين من مهارات التكنولوجيا الضرورية، وتدعم قدراتهم وشهائدهم "التقليدية" المكتسبة. وهي من الإشكاليات التي يطرحها المعطلون عن العمل من حاملي الشهائد العليا. ويبدو أن آليات التشغيل شبه غافلة عن تطوير ذاتها، بما يتلاءم وحاجيات السوق، بين دعم للإدارة الرقمية وللاقتصاد الرقمي، والاقتصاد الأخضر، والاقتصاد الأزرق، ورسكلة الخريجين القدامى والجدد حتى يحسنوا من مهاراتهم ويتمكنوا من فتح آفاق العمل في الخارج، كما تغيب آلية للتشجيع على استكشاف فرص العمل والتوظيف بالخارج، والتي تتطلب بالضرورة مهارات التحول الرقمي. ولعل هذه الهوة بين المكتسبات وحاجيات السوق الجديدة في المجال الرقمي هي جزء من أسباب وجود فرص عمل شاغرة، ويذكر المعهد العربي لرؤساء المؤسسات قام بدراسة بينت أن هناك ما لا يقل عن 100 ألف موطن شغل بسبب غياب الكفاءات اللازمة. أين نحن ؟ وضعت الحكومة برنامجا لرقمنة جميع الإدارات والمؤسسات العمومية إلى حدود 2021 وهو ما يعني أن الموظفين واليد العاملة التي سيقع انتدابها مطالبة بمواكبة التحولات الرقمية مهما كان اختصاص هذه الموارد البشرية. وتساعد الرقمنة حسب الخبراء على تسريع الخدمات وتقريبها من المواطن، لكنها أيضا حل لمقاومة الفساد والرشوة ودعم الجباية. ويشار إلى أن رئاسة الحكومة قد وضعت لجنة تضم وزارات عديدة منها وزارة التعليم العالي ووزارة التشغيل تعمل على صياغة متطلبات التحول الرقمي في تونس وفي العالم، والتي تهتم بالجوانب الاقتصادية للمؤسسات وبالتحكم في الموارد البشرية والتشغيل في جانب منها. د.هشام بن فضل (خبير في الاقتصاد الرقمي) شهائد بلا مكتسبات ال «رقمنة» أمية جديدة ما هي أبرز ملامح تغير سوق الشغل في العالم وتونس حاليا؟ مر العالم بانتقالة كبرى في ما يتعلق بسوق الشغل في علاقة بالتحولات الرقمية. هناك 3 تحولات في العالم تتعلق بكل ما هو رقمي وعالم الديجيتال. نشير أولا إلى تغير مقاييس العمل في المؤسسات العالمية، فالمواطن والمستهلك أصبح يطلب خدمات تقدم بشكل فوري ومن أي مكان في العالم. وهو ما غير من نوعية العمل في الإدارات والمؤسسات. أما الاتجاه الثاني في التغيرات فيتعلق بتقليص التعامل بما هو مادي أي غياب الأوراق والوثائق المادية فكل المعاملات رقمية عبر الأنترنت و"الأونلاين". أما التغير الثالث فيتعلق بانتشار المؤسسات وكثرتها وهو ما يعني المنافسة، وتنوع خدمات الآليات الرقمية. من هذا المنطلق، تبدو ملامح سوق الشغل مرتبطة أكثر فأكثر باستخدام التقنيات الجديدة، والانتقال إلى عالم الديجيتال الذي يمس أغلب التخصصات في كل القطاعات. أما في تونس، فقد انطلقنا جزئيا في متابعة هذه التحوّلات. ونحن مطالبون بالإسراع في متابعتها وإلا فإن قطار الاندماج في تحولات التوجهات العالمية في الاقتصاد سيفوتنا. ما نلاحظه أيضا في تونس هو أن بعض الخدمات لها مؤشرات جيدة، فيما مازالت خدمات أخرى متأخرة. وهو ما يستدعي أن تقوم الدولة بالتنسيق مع المختصين حتى تضع الآليات الضامنة لعملية التحوّل الرقمي لمؤسساتها من جهة، كما عليها تأهيل اليد العاملة ومساعدتها على مواكبة هذه التغيرات من جهة ثانية. وما زال علينا القيام بالكثير من الإجراءات للحاق التغيرات العالمية. الإشكال الآخر يتعلق بالأفكار المسبقة عند عدد من التجار وأصحاب المؤسسات الذين ينظرون إلى الرقمنة كطريقة أو آلية للتتبع الأمني أو كشف الحسابات والجباية. وهنا على الدولة العمل على تغيير هذه العقليات خاصة وأن التغيير قادم لا محالة. فالاقتصاد الرقمي والديجيتال ليس آلية مخابرات بل لتسهيل الحياة على المواطن. هل تعتقد أن طالبي الشغل اليوم قادرون على التأقلم مع متطلبات السوق الجديدة ؟ لدينا نوعان من الخرجين، فالبعض يعمل مع الشركات الأجنبية ويبرزون قدرة كبيرة من الكفاءة، في ما هناك نوع آخر يعمل في تونس ولا تستغل كفاءاته. نفس الشباب مع أوروبا ينتج أشياء كبرى ومع تونس لا يجد قيمته. لا بد من تحسين الامكانيات للشباب التونسي. من الضروري تكوين إضافي للخريجين القدامى، وإدراج مواد الرقمنة والديجيتال في كل التخصصات. فما نلاحظه هو أن طرق التدريس عالميا أصبحت تقدم دروسا رقمية، وهو ما يعني أن خريج العربية أو الفلسفة مثلا عليه أيضا أن يكون ملما بتقنيات الديجيتال وإلا فإنه لن يكون قادرا على مواكبة طرق التدريس الحديثة. أما بالنسبة إلى من ليست له تقنيات الرقمنة سيجد نفسه بشهائد لا قيمة لها. فغياب تقنيات الرقمنة هي الأمية الجديدة. ورغم الامكانيات المحدودة للدولة، لكن عليها إعطاء الأولوية لهذا المجال. هل أصبحنا اليوم نتحدث عن مواصفات لانتداب موظف بمواصفات رقمية عالمية ؟ بالفعل سوق الشغل الجديدة هي سوق عالمية، فمقاييس العمل تتطلب مكتسبات تجعل من يعمل في اليابان أو تونس له نفس أدوات العمل والتواصل، والهدف تمكين الحريف من خدمات من أي مكان في العالم. هناك أكثر من مليون موطن شغل مطلوب اليوم عبر العالم مرتبط بالرقمنة. وهذه المرحلة جد هامة في تحديد مكانتنا في السوق العالمية للعشر سنوات القادمة. فسوق الغد بلا حدود بين الدول لكنها لا ترحم من لم يواكب التكنولوجيا.