الجولة الرابعة من المفاوضات بين تونس والاتحاد الأوروبي بخصوص اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمّق (الأليكا) تنطلق بعد قرابة عشرين يوما (29 أفريل)، بالمقابل يحدث أن تونس لم تتناول هذا الموضوع بالحوار والجدل على مستوى وطني، وبالتالي فإن الدولة التونسية قد تخطئ المسار مرّة أخرى... الجانب الأوروبي ومن خلال سفير الاتحاد، يطلب من تونس أن تتخذ موقفا نهائيا.. إنها المعضلة.. إذ عوض أن تفتح السلطات التونسية هذا الموضوع للحوار الديمقراطي، حتى تتجاذب الأحزاب والمنظمات أطراف المسألة، من حيث مصالح تونس في هكذا اتفاقيات، آثرت الحكومة والدولة بصفة عامة، التعتيم وطنيا على الموضوع خشية الرأي المعارض. والحقيقة، هذا أسلوب غير جدّي وهو بالتالي أسلوب متقادم، ولا علاقة له بآليات الديمقراطية وبالحوارات التي يمكن أن تنتج القرارات الوطنية. الإعلام كما المسؤولين السياسيين في السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، لم يتناول أي منهم مسألة اتفاق «الأليكا» مما جعل المشهد السياسي متردّدا أو مزايدا أو غير آبه بأهمية هكذا اتفاق... مرة أخرى، تتوخى تونس سياسة الأمر الواقع وسياسة الارتجال من خلال عدم تحضير ملفّ التفاوض مع أوروبا الاتحاد بخصوص الشراكة المعمّقة، شراكة تمسّ لأوّل مرّة الجانب الفلاحي... لقد فوّتت تونس، من جديد، فرصة ثمينة، كانت ستجعل المفاوض التونسي في أريحية، لو تمّ حوار وطني اقتصادي واجتماعي، تتبلور من خلال فعالياته رؤية وطنية تدعم الحظوظ التونسية في بروكسيل... تونس تستحق وضعا أفضل من الذي آلت إليه... فهذه الاتفاقية التي تعدّ شراكة معمّقة مع تونس كان يمكن أن تخضعها السلطات التونسية إلى حوار بين المنظمات الوطنية ذات العلاقة وبين السلطة التنفيذية وبين السلطة التشريعية. لكن هذا لم يحدث. والحال كما هو عليه، فإن الخسارة تبدو مزدوجة: فمن جهة تدخل تونس منطقة التبادل الحرّ المتقدم مع أوروبا بشروط أوروبية، بما أن تونس لم تتهيأ ولم تنجز ملفّاتها ذات الصّلة.. ومن جهة أخرى سوف تجد بلادنا نفسها، إن تمّ الاتفاق مع أوروبا في خانة المضغوط عليها، وفي خانة الضّعيف، وبالتالي لا يمكن الحديث عن شراكة... ما يمكن إنقاذه اليوم، هو أن تؤجّل هذه الاتفاقيات، بدعوى أن تونس منشغلة باستحقاقات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية... لكن المتفحّص في تصريح السفير الأوروبي، لا يمكن إلاّ أن يستشفّ أمرين: الأول أن أوروبا تستمرئ هذا التردّد التونسي وعدم اتخاذ قرار من مسألة الأليكا، لأن في ذلك خدمة لمصلحة أوروبا وليس تونس. الثاني، هو أن تونس سوف تتورّط أجيالها القادمة في اتفاقيات لا علاقة لها بالسيادة الوطنية ولا بمصلحة تونس...