في شهر افريل الفارط أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد من بروكسيل أنه سيتم إمضاء اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق بين تونس والاتحاد الأوروبي السنة المقبلة وتحديدا في شهر ماي 2019. وبرر الشاهد حينها موقفه بأن ملف «الأليكا» ينطوي على أهمية خاصة لتونس رغم إقراره بأن بلادنا ليست في مستوى نمو دول الاتحاد الأوروبي وليست على نفس المستوى فيما يتعلق بمواجهة التحديات الاقتصادية. ومنذ ذلك التاريخ تتالت اللقاءات الرسمية وتواترت الزيارات الديبلوماسية والاجتماعات الثنائية بين تونس والاتحاد الأوروبي آخرها الزيارة الرسمية التي يؤديها بداية من اليوم وتستمر غدا رئيس المفوضية الأوروبية جون كلود جانكر إلى تونس والتي سيكون على جدول أعمالها مناقشة ملف «الأليكا»، الذي انطلقت المفاوضات في شأنه منذ سنة 2015 وشارفت على نهايتها. وتأتي زيارة جانكر في مسعى لتسريع النقاشات بشأن مضمون الاتفاقية المثيرة للجدل، والتمهيد لجولة مفاوضات جديدة وحاسمة بين الطرفين ستنعقد في شهر ديسمبر 2018، في حين تصاعدت النداءات في الفترة الأخيرة من عدة جهات، منظمات وطنية، رجال أعمال، مجتمع مدني، وخبراء، تحذر من مغبة توقيع الاتفاقية وتنبه إلى عواقبها الوخيمة على قطاعات الخدمات والفلاحة والطاقة والاقتصاد الوطني بشكل عام وعلى الأمن الغذائي الوطني بشكل خاص، داعية إلى تأجيل المفاوضات إلى وقت آخر باعتبار عدم تكافؤ موازين القوى بين الطرفين بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، في انتظار تقييم شامل لاتفاقية التجارة الحرة الممضاة سنة 1995. يذكر انه سيتم خلال زيارة جانكر إلى تونس توقيع 5 اتفاقيات بقيمة جملية تناهز 270 مليون أورو، الأولى تخص التنافسية وقيمتها 90 مليون أورو، والثانية في مجال العدالة بقيمة 60 مليون أورو، واتفاقية تخص دعم الانتقال الطاقي بقيمة 60 مليون أورو، إضافة إلى اتفاقية دعم الإصلاح الجبائي والاقتصاد الاجتماعي بقيمة 60 مليون أورو، إلى جانب الدعم السنوي المخصص إلى تونس من قبل الاتحاد الأوروبي والبالغ 300 مليون أورو سنويا. ووفق ما أعلنه أمس سفير الاتحاد الأوروبي في تونس باتريس برغاميني، فإن لقاءات رئيس المفوضية الأوربية مع الرؤساء الثلاثة ستتناول مسار المفاوضات حول اتفاقية «الأليكا»، مؤكدا انعقاد جولة جديدة في ديسمبر المقبل ببروكسيل. كما اشار إلى أن تونس بإمكانها أن تحصل على تمويل بقيمة 300 مليون أورو إضافية قبل موفى السنة الحالية إذا تمت المصادقة على قانون يكرس استقلالية محكمة المحاسبات.. تجاهل صيحات الفزع وموجات الرفض المثير للانتباه أنه، ورغم صيحات الفزع والتحذيرات المتكررة، اختارت الحكومة الحالية الصمت، بل بدا وكأنها تحث الخطى في اتجاه اتمام المفاوضات مع الجانب الأوروبي بخصوص اتفاقية الأليكا، لتتوج ربما بتوقيعها خلال السنة المقبلة وقبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية، مما يزيد الشكوك بشأن حقيقة ممارسة الاتحاد الأوروبي لضغوطات رهيبة على تونس من أجل اتمام المفاوضات مستغلا بذلك الوضع الاقتصادي المتدهور وحاجة البلاد إلى المساعدات والهبات والمنح والقروض الأوروبية على وجه الخصوص.. وتشمل الاتفاقية تحرير قطاعي الفلاحة والخدمات، اللذين كانا خارج إطار التبادل الحر، وهذا الوضع سيتيح للشركات الأوروبية منافسة المنتجين المحليين في مجالات استراتيجية مثل الغذاء والصحة والبنوك والطاقة وغيرها، باستثناء بعض القطاعات الثانوية التي وقع حذفها مسبقا. وسيتم ذلك من خلال إلغاء الحقوق الجمركية على البضائع الفلاحية وحجب القوانين التي تمنع مقدمي الخدمات الأجانب من الاستثمار بسهولة في السوق التونسية. وفي الوقت الذي أكد فيه المنتدى الاقتصادي والاجتماعي - في دراسة أنجزها مؤخرا وكشف عن نتائجها في ندوة وطنية انعقدت يوم 11 اكتوبر الجاري - خطورة تداعيات «الأليكا» المتوقعة على تونس، انتقد الاتحاد العام التونسي للشغل مؤخرا على لسان أمينه العام المساعد سامي الطاهري «التغييب المتعمد» من الحكومة للمنظمة الشغيلة من مفاوضات الأليكا، وذهب إلى أبعد من ذلك حين اتهم رئيس الحكومة بأنه «بصدد التفاوض بسرية تامة لإبرام الاتفاقية دون تقييم لفترة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لسنة 1995 الذي دمر النسيج الإقتصادي الوطني ومصانع النسيج والصناعات التحويلية وسيدمر الفلاحة». كما حمّل الأمين العام المساعد سمير الشفي أيضا في تصريح مماثل الحكومة مسؤولية التوقيع مع الاتحاد الأوروبي على اتفاقية «الأليكا» التي ستشمل قطاعي الخدمات والفلاحة، وأكد «رفض الاتحاد لأي التزام مع الاتحاد الأوروبي باعتبار ان الاتفاقية ستتسبّب في كوارث في البلاد كما كان الحال بعد إمضاء الاتفاق الاول الذي دمّر النسيجين الاقتصادي والصناعي». ما يزيد الأمور غموضا، ويرجح كفة المنادين بالتريث وعدم الانجرار وراء «مغريات» إمضاء اتفاقية مضرة بالنسيج الاقتصادي التونسي، عبرت منظمة الأعراف بدورها في بيان لها عن مخاوفها العميقة من الاتفاقية الجديدة وتداعياتها المنتظرة وعدم قدرة الشركات التونسية على مجابهة الغزو الأوروبي المرتقب، مطالبة بفترة إمهال قبل توقيع الاتفاقية للتمكن من إنجاز دراسات حول التأثيرات المنتظرة لها على مختلف القطاعات المعنية، معتبرة أن المؤسسات التونسية تحتاج إلى خطة تأهيل قبل الدخول في منافسة مع نظيراتها الأوروبية. ودعا اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية الحكومة إلى حسن إدارة ملف المفاوضات حول اتفاق ‹›الأليكا››، وإشراك المنظمة في مسار المفاوضات، إلى جانب إمهال تونس فترة زمنية للاستعداد للفترة المقبلة. ضرورة التريث واقتراح عرض مضاد يلائم مصالح تونس المقلق في الأمر، أن المنتدى الاقتصادي والاجتماعي يرى وفق التقرير الذي نشره مؤخرا حول تداعيات «الأليكا» على تونس، أن اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق «لا تقتصر على المبادلات التجارية بل تؤسس لإنشاء منوال اقتصادي في تونس يفرض التقليص، بل الغاء دعم ومساعدة الدولة وتعديل الأسعار وتقاطع الأسواق، وذلك بجعل الأسواق العمومية مفتوحة للمؤسسات الأوروبية. وتمثل هذه الاتفاقية خطوة جديدة للانفتاح بعد الانتهاء من الاصلاحات على مستوى الاصلاح الهيكلي». وشدد المنتدى على ضرورة أن تتحرك الحكومة سريعا باقتراح عرض مضاد لأوروبا يلائم الأوضاع، التي تمر بها البلاد. ويشير تقرير المنتدى في موضع آخر أن أوروبا لا ترى في تونس أي مصالح تجارية مباشرة إلا أنها تسعى لتوسيع منطقة نفوذها الاقتصادي. وقد جرت أولى المفاوضات حول اتفاقيات التبادل الحر الشامل والمعمق في المغرب سنة 2013 وتونس سنة 2015، باعتبارهما الأكثر اعتمادا على الاتحاد الأوروبي في علاقة بالمبادلات التجارية. ووفق المنتدى، تعد «الأليكا» اتفاقية نمطية، اذ هي لا تأخذ خصوصيات الدول بعين الاعتبار، في حين أن تونس تواجه رهانات خاصة، سواء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي أو على مستوى عناصر الانتاج كالموارد البشرية والطبيعية، وهو ما يحتم عليها أن تقترح على أوروبا عرضا لعقد شراكة تلائم رهاناتها الحالية. لكن الاتحاد الاوروبي يرى «الأليكا» وفق منظوره الخاص «مشروع اتفاق بينه وبين تونس لتوسعة وتعزيز تعاونهما الاقتصادي». ويعتبر الاتفاق أداة اندماج فعلي للاقتصاد التونسي في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي وان الامر لا يتعلق باتفاق تجاري جديد بل سيكون وسيلة لاندماج أعمق للاقتصاد التونسي في فضائه الأورو- متوسطي. يذكر انه انطلق في تونس في ماي 2009 برنامج تأهيل الخدمات في مرحلته النموذجية، عقب الانتهاء من الفترة الانتقالية لتحرير تجارة السلع مع الاتحاد الأوروبي التي دامت 12 عاما، منذ التوقيع على اتفاقية الشراكة من سنة 1995 إلى ديسمبر 2007. تداعيات وخيمة لكن على العكس من ذلك، يرى خبراء المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن "فقدان المزارعين لموارد رزقهم في مواجهة منافسة أوروبية شرسة ستكون له تداعيات وخيمة". وأوضحوا أن الأراضي الزراعية الكبرى في تونس تضاهي الأراضي الصغيرة في أوروبا، مما سينعكس على كل العاملين في القطاع بشكل مباشر وغير مباشر. وقالوا إن صغار الفلاحين سيسحقون تماما وسينتهي الأمر بهم لأن يكونوا عمالا في أراضيهم لأن المنافسة لن تكون متكافئة على مستوى مهارات اليد العاملة، فضلا عن فوارق استخدام التكنولوجية وندرة المياه والعوامل المناخية، إلى جانب أن المنتجات الأوروبية المدعمة ستكون في موقع أكثر تنافسية، وبالتالي سيضطر صغار الفلاحين التونسيين، إلى بيع أراضيهم. وكان مسعود الرمضاني رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، قد أكد أن ضغوطا أوروبية تمارس على تونس للتوقيع على اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق «الأليكا». وذكر أن المفاوضات الحالية، بشأن اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق، التي انطلقت منذ 2015 وتهم قطاعات الفلاحة والخدمات والطاقة، يجب أن تراعي خصوصيات القطاعات التونسية وضمان تكافؤ الفرص بين الطرفين. وحذر رمضاني من أنه «لا يمكن التفاوض حول اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق، بمعزل عن التفاوض حول ملف الهجرة.. وأيضا في ظل غياب حرية التنقل بالنسبة إلى الجانب التونسي».