بعد حصيلة ما يزيد على 4 سنوات في مسار العدالة الانتقالية في تونس فشلت هيئة الحقيقة والكرامة في كل المهام التي عهدت اليها. ولم تتوصل الى تحقيق المصالحة الشاملة التي هي جوهر القانون. فهل ستمكن المبادرة التشريعية الجديدة من طي صفحة الماضي؟ تونس الشروق: ولمّا كانت العدالة الانتقالية مسارا دستوريا محمول على الدولة انجاحه، فإن انتهاء أشغال هيئة الحقيقة والكرامة على انقسام مجتمعي وسياسي كبير كان الدافع وراء سن مبادرة تشريعية جديدة تهدف الى ارساء المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية واستكمال مسار العدالة الانتقالية وطي صفحة الماضي. هذه المبادرة ما تزال مشروعا أوليا في طور النقاش والتعديل قبل عرضه على مصادقة مجلس وزاري ومن ثمة إحالته على البرلمان. وتضمنت فصوله ال64 خمس نقاط اساسية وهي تحديد المسار الجديد في سنتين من الزمن، وإحداث لجنة معينة للمصالحة تنظر في قضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، واحداث لجنة ثانية معينة للتسوية تنظر في قضايا الفساد المالي، علاوة على ايقاف العمل بالدوائر القضائية المتخصصة واقرار جبر ضرر وفقا للقانون عدد 53 لسنة 2013 والمتعلق بالعدالة الانتقالية. فهل يمكن لهذا القانون أن يطوي صفحة الماضي ؟ ممكن بشروط... من الناحية النظرية فإن مستوى التوازنات السياسية في البرلمان يسمح بتمرير مشروع القانون وذلك قياسا بالكتلة السياسية الرافضة للمسار القديم للعدالة الانتقالية والممثلة تشريعيا في كتل الائتلاف الوطني ونداء تونس ومشروع تونس ،ويضاف اليها كتلة النهضة التي تشير المعطيات الواردة من الكواليس الى مشاركتها في صياغة المبادرة الجديدة لاسيما ان رئيس الحركة قد عبر سابقا عن دعوته الى سن مبادرة عفو شامل. ولئن لاح الانقسام مجددا حول هذه المبادرة الجديدة بين من يعتبرها ضرورية لتحقيق المصالحة المنشودة وبين من يعتبرها صفقة سياسية أو عنوانا لحملة انتخابية ومن يعيب عليها حضور مبدإ التعيين في مستوى لجانها ، فإن عددا من المعطيات الموضوعية تدفع الى ضرورة تعامل الرافضين معها بمنطق المشاركة والتعديل لغلق الملف بدلا من تغذية الانقسام. وقياسا بحالة عدم رضى ضحايا الانتهاكات بمخرجات تقرير هيئة الحقيقة والكرامة وتواصل المظالم في حق عدد من الشخصيات التي كانت ضحية انحراف مسار العدالة الانتقالية وتحوله الى أداة تصفية الحسابات وكذلك قياسا بتعاظم مشاعر النقمة بين الجلادين والضحايا ،فإنه من غير الممكن توقع نجاح الانتقال الديمقراطي دون نجاح مسار العدالة الانتقالية. ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار مبادرة الحكومة محاولة أولية في سياق التزام الدولة بالمسار ومحمول على جميع الأطراف التفاعل معها وتعديلها بشكل توافقي وموضوعي بدلا من انقسام جديد يقوض المسار برمته. وفي المقابل لا يبدو من الممكن توقع مساهمة المبادرة الجديدة في طي صفحة الماضي طالما أن مناقشتها تجري في الكواليس المغلقة، ودون مشاركة كل الأطراف فيها. وفي هذا السياق أفاد عدد من نواب مختلف الكتل البرلمانية في تصريحات «للشروق «بعدم علمهم بها حتى الآن. وهو الامر الذي دفع الى بروز الشكوك فيها وفي قدرتها على طي صفحة الماضي. ووفقا لعدد من الخبراء الذين اطلعوا على فحوى مشروع القانون الجديد فإن رأي أغلبهم يشدد على ضرورة تعديل المبادرة الجديدة خلال النقاش المفترض إجراؤه بخصوصها وذلك في سياق المحافظة على نفس آليات العدالة الانتقالية من كشف للحقيقة ومساءلة ومحاسبة وجبر ضرر ورد اعتبار الى الضحايا والتي تكفل برأيهم تحقيق المصالحة الوطنية وطي صفحة الماضي بشكل توافقي بين جميع التشكيلات السياسية والأطياف المجتمعية. صلاح البرقاوي (مشروع تونس): عودة الأمل أضعنا وقتا ثمينا في تجاذبات عقيمة جراء الروح الانتقامية التي سادت قانون العدالة الانتقالية والتي زادت شخصية سهام بن سدرين طينتها بلة. فاضعنا الطريق إلى المصالحة بين التونسيين. لذلك يمكن القول إن المبادرة الجديدة تحمل الأمل في طي صفحة الماضي باجتناب فتح جراح سبق اندمالها وتقديم المصالحة وتطويع آليات العدالة الانتقالية لهذا الهدف. ونأمل أن يلقى المشروع الاهتمام والتفهم اللازمين وان يكون موضوعا لحوار جدي صادق. بشير الخليفي( حركة النهضة): سنتفاعل إيجابيا مع المبادرة حين تصل المبادرة التشريعية الى البرلمان سنتفاعل معها بشكل ايجابي لإنهاء حالة الانقسام والتشنج بشأن ملف العدالة الانتقالية خاصة انها التزام دستوري. ونرى ان المبادرة بخصوص استكمال مسار العدالة الانتقالية ضرورية في سياق طي صفحة الماضي وتحقيق المصالحة الشاملة بين مختلف مكونات المجتمع وانهاء الضغينة بين الجلادين والضحايا. غازي الشواشي ( التيار الديمقراطي): عنوان حملة انتخابية هذه المبادرة لم تصل الى البرلمان ولا أتوقع تمريرها خلال الدورة البرلمانية الاخيرة.وبحسب مابلغنا من تسريبات فإنها أعدت بالتنسيق بين النهضة وتحيا تونس كجزء من حملة انتخابية. ومن خلالها ستعد النهضة منتسبيها بالتعويضات بينما يستغلها حزب تحيا تونس في مغازلة «المنظومة القديمة». وهذه المبادرة لا تطوي صفحة الماضي طالما أنها تقر عفوا مقابل التعويض دون محاسبة. رابح الخرايفي ( تحيا تونس): استحالة قانونية ورود مشروع القانون هذا يؤكد الإعلان الرسمي لفشل مسار العدالة الانتقالية. ولا أتصور أن يطوي صفحة الماضي لانه سيكون محل جدل عميق ومتوتر فضلا على وجود استحالة قانونية بخصوص تمويل اللجان المحدثة صلبه والتي لم يقع تضمينها في قانون المالية. وأرى أن الدولة والمجتمع يمران بمرحلة انتقالية شاملة. وهذا الانتقال لا يمكن اختزاله في قانون مرتجل. وسيم البوثوري ( الحزب الجمهوري): صفقة سياسية لسنا أمام مشروع مبادرة تشريعية لاستكمال مسار العدالة الانتقالية بل أمام مسار جديد تحت عنوان المصالحة الشاملة التي دعا اليها راشد الغنوشي. وهي عودة من جديد الى منطق الصفقات السياسية. ولن تمكن هذه المبادرة من طي صفحة الماضي. بل ستضاعف آلام وحقد الضحايا وستقدم عفوا بلا أي محاسبة لعموم الجلادين. وهو استنساخ لفلسفة قانون المصالحة الذي شق البلد الى نصفين .