حركية كبيرة يعيشها أغلب متساكني مناطق الوطن القبلي مع انطلاق موسم جني نبتة الزهر لأشجار النارنج في تقليد سنوي يجمع مئات العائلات ويدر عليهم أرباحا وفيرة. مكتب نابل الشروق : يعد هذا الموسم من أعرق العادات التي تسعى عائلات بعض مدن الوطن القبلي للمحافظة عليها من خلال إعداد المؤ ونة من ماء الزهر على الرغم من قصر مدة الموسم التي لا تزيد على خمسة أسابيع في أقصى الحالات. يعد موسم جني الزهر مصدر دخل لأكثر من ثلاثة آلاف أسرة تنطلق في مفتتح كل ربيع في جمع المحصول من البساتين أو من الأشجار التي غرست بحدائق المنازل أو تلك المترامية على طول الطرق. ويوفر هذا النشاط لعديد من العائلات محدودة الدخل مجالا لممارسة نشاط اقتصادي عائلي تقليدي يتمثل في تقطير الزهر بمقابل وبيعه لزوار المدينة الذين يفدون من مختلف جهات البلاد لشراء ما يحتاجونه من ماء الزهر. وفي هذا الإطار تقول السيدة سلوى الربودي «نحن ننتظر موسم الزهر بكل شغف، فهو يدخل في عاداتنا التي ورثناها عن أجدادنا، كما أنها تمثل مناسبة لإنعاش مداخيل الأسرة ولو لفترة وجيزة بالإضافة إلى توفير احتياجات العائلة من هذه النبتة في استعمالاتنا المنزلية المتعددة». ويشاطرها في هذا الرأي محمد داود الذي أكد بكل حماسة أن أغلب أفراد العائلة يتجندون كل سنة في مثل هذه الفترة لجني الزهر، وقال إنهم يصنعون لأنفسهم جوا ملائما من خلال تحضير ما يلزم من المأكولات والشاي وهي أجواء ينتظرونها كل سنة بكل شغف. هذا، وتزدهر تجارة بيع الوسائل المعتمدة في تقطير الزهر خاصة بالطريقة التقليدية على غرار ما يعرف ب»القطّار» بعدة محلات تجارية مختصة في صناعة وبيع مثل هذه الوسائل وهو ما يدر عليهم أرباحا مضاعفة خلال هذه الفترة من السنة. الأولى وطنيا يساهم موسم جمع الزهر رغم قصر مدته في إضفاء حركية تجارية وثقافية على الجهة وتعتبر مدن نابل ودار شعبان الفهري وبني خيار من أهم المدن بالوطن القبلي المنتجة لهذه النبتة حيث توفر أكثر من 90% من المنتوج الوطني وتضم حوالي 65% من مجموع أشجار النارنج بالإضافة إلى توفير ست وحدات تحويلية. ويعتبر قطاع الزهر قطاعا استراتيجيا بكل امتياز، فبالإضافة إلى أهميته كرمز يفتخر به أهالي الجهة، فهو يوفر عائدات سنوية من العملة الصعبة تتراوح بين 03 و04 ملايين دينار، ويتواجد بالوطن القبلي حوالي 130 ألف شجرة نارنج مزروعة على مساحة جملية تفوق 400 هكتار، إذ يتراوح معدل الإنتاج السنوي للزهر في هذه المناطق بين 1000 و1500 طن. وأكدت سلوى الخياري والية نابل مؤخرا خلال افتتاح موسم جني الزهر أن صابة الزهر هذه السنة تمتد على 460 هكتارا، ومن المنتظرأن يكون معدل الإنتاج لهذا الموسم بين 1000 و1400 طن. وحسب بعض تجار هذا القطاع و المواطنين فإن ثمن «الوزنة» والتي تساوي 04 كيلوغرامات يتراوح هذه السنة بين 40 و60 دينارا. أصبح أهالي الوطن القبلي يحتفلون بنبتة «الزهر» منذ حوالي خمس سنوات ويخصصون لها مهرجانات تشتمل على عدة أنشطة على غرار الندوات العلمية التي تقدم خلالها عدة مداخلات ودراسات فيما يخص القطاع، كما تنصب الخيام لاحتضان ورشات لتقطير الزهر بالطريقة التقليدية التي أصبحت تشد إليها انتباه زوار المدينة والسياح. شهرة عالمية تبرز جهة الوطن القبلي كقطب استراتيجي لإنتاج وتصدير زيت «النيرولي» وهو عبارة عن خلاصة روح الزهر الذي يصدر للأسواق الخارجية ولاسيما الفرنسية بأسعار مرتفعة ليستعمل في صناعة أرقى وأجود العطورات العالمية والتي تباع فيما بعد بأسعار خيالية في بعض الأحيان. ويتم استخراج زيت النيرولي النادر، داخل الوحدات التحويلية وأقدمها تأسست سنة 1903. ويمكّن تقطير طن واحد من أزهار النارنج بالطريقة الآلية من توفير 600 لتر من ماء الزهر وكيلوغرام واحد من زيت النيرولي، وتعدّ منطقة الوطن القبلي من أهمّ منتجي ومصدّري زيت النيرولي في العالم، وتصدّر سنويا ما بين 500 و700 كيلوغرام من هذا الزيت النادر الذي تصل أسعاره في الأسواق الخارجية إلى 5000 دولار للكيلوغرام الواحد.