ظلّ التدخل العسكري في السياسة السودانية ومنذ الانقلاب الأول في نوفمبر 1958 سمة ملازمة للعلاقة بين المؤسسة العسكرية والعمل السياسي، وهو ما يفسّر ما يحدث الآن في السودان وما سيحدث مستقبلا. وبالعودة الى تاريخ السودان فإن الانقلاب الأخير على البشير هو العاشر منذ أول انقلاب سنة 1958 على أول حكومة ديمقراطية برئاسة الزعيم إسماعيل الأزهري، ومنذ ذلك الحين ظلّت الانقلابات ذات الطابع العسكري هي التي تميّز الحياة السياسية. وبالعودة الى الانقلاب الأخير ضدّ البشير فإنه كان الانقلاب الرابع في تاريخه والذي نجح أخيرا في الاطاحة به ولكن هذه المرة تحت وطأة احتجاجات عارمة استمرّت لأربعة أشهر واستغلها الجنرالات كورقة رابحة لإنهاء حكم البشير. وكرّس اعلان الفريق أول ركن عوض محمد أحمد بن عوف عن تشكيل مجلس عسكري انتقالي لمدة عامين، وتعطيل العمل بدستور 2005 تواصل التدخل المباشر للعسكر في الحكم وعدم رغبته في التخلي عنها رغم الرفض الواسع للمحتجين لهذا القرار الذين اعتبروه انقلابا على البشير وعلى مطالب الشعب في ذات الوقت. وظهرت خطوة المجلس المعلن كما قال وزير الاعلام السوداني السابق حسن اسماعيل وكأنها محاولة لوراثة البشير ومخادعة الجميع وهذا مرفوض لأنه يبقي البلاد في دائرة الضغط والغبن السياسي خاصة وأن بعض قوى المعارضة تدعو لتشكيل مجلس عسكري مواز من الرتب الصغيرة وهذا يعنى اتساع الشرخ. دوّامة حكم الجنرالات في السودان يبدو أنها ستتواصل وستكون حجر أساس في اي نظام جديد لكن يبقى المشكل الاساسي هو الدخول في دوامة الانقلاب والانقلاب المضاد داخل المؤسسة العسكرية التي يدور في اروقتها الآن صراع أجنحة عسكرية. تسليم السلطة لرموز المعارضة خلال أيام لتكوين حكومة مدنية انتقالية يمكن أن يشارك فيها الجيش أيضا يبقى الخيار الافضل للأزمة في السودان لوقف حالة الاستقطاب المضاد والفراغ الذي لن يولد الا مزيدا من الصراع والعنف ويدخل البلاد في دوامة الحرب الاهلية والتقسيم الذي يبرز بقوة في ظل الوضع الذي تعيشه البلاد حتى قبل الأزمة.