جدل جديد بين الناصريين بقيادة كورشيد وبين كارهي عبد الناصر بقيادة محمد عبو. هذا الجدل حول زعيم عربي متوف بلغ حدا كبيرا من الإسفاف، فهل هو مجرد تضارب في المواقف من عبد الناصر والناصرية أم هو حملة انتخابية مبكرة؟. تونس الشروق: «هذا الوصف الحقير المتدني لرجال الأمة يستحق الرد عليه، وهذه جرعة على الحساب الى أن تلقى العقاب…» هذا بعض ما جاد به وزير أملاك الدولة السابق، مبروك كورشيد في رده على مؤسس حزب التيار الديمقراطي محمّد عبو قبل أن يخاطبه في تدوينة له على الفايس بوك بقوله: «اعلم أيها الأرعن أن الأمة التي تحترم نفسها لا تعتدي على رموزها، وعبد الناصر كان رمزا بشهادة العدو قبل الصديق». سبب هذا التحامل أن عبو تهجم على الزعيمين القوميين الراحلين جمال عبد الناصر ومعمر القذافي واصفا إياهما ب"الدمويين" و"القتلة" على حد ما نقله عنه كورشيد ولكن ما الذي حدا بالسياسي والحقوقي إلى التهجم على زعيمين راحلين وما الذي دفع بالمحامي والوزير السابق إلى الرد بطريقته الفضة؟. خلافات شخصية وايديولوجية ننطلق من الانتماء الايديولوجي فكورشيد الذي لم يشتهر قبل الثورة بنشاط حقوقي أو سياسي انتمى بعدها إلى التيار الشعبي ذي الخلفية القومية الناصرية ولهذا نجد تفسيرا لانبرائه في الدفاع عن عبد الناصر بغض النظر عن نوعية الأسلوب الذي اعتمده في دفاعه. في المقابل ظهر عبو منذ أواسط التسعينات مدافعا عن الحريات متصديا للاستبداد والدكتاتورية ونجد له بالتالي تفسيرا للتهجم على عبد الناصر والقذافي بغض النظر عن مدى صحة ما ينسبه إليهما من «دموية» و»تقتيل» لكن الخلاف بين المحاميين لم يكن مجرد تصادم بين ناصري وعدو للناصرية بل يجب الوقوف عند معطيين مهمين: أما الأول، فالمعلوم أن كورشيد على خلاف سياسي وحتى شخصي مع أسرة عبوو لم يتوان فيه عن اشتكاء عضو مجلس النواب سامية عبو للقضاء. وأما الثاني فيتمثل في معلومة كان نقلها احد الإعلاميين قبل سنوات عمن وصفه بشاهد من الثقات كان أكد له أن محمد عبو انتمى خلال دراسته الجامعية للإسلاميين الذين يكنون العداء لعبد الناصر بسبب تضييقه على الاخوان المسلمين. حملة انتخابية بين عبو وكورشيد خلافات شخصية وسياسية ومبدئية وأيديولوجية… لكن تصادمهما الأخير لا يخرج عن إطار الحملات الانتخابية السابقة لأوانها. فعبو ليس بالسذاجة التي تدفعه إلى اختلاق عداوة وجدال بلا مبرر مع القوميين عموما والناصريين تحديدا لاسيما وقد كان بعضهم ضيوفا في مؤتمر حزبه الأخير. عبو الذي يكتسب الخبرات السياسية بمرور الوقت أراد أن يستهدف نوعين من الجمهور أملا في توسيع قاعدته الانتخابية أولهما جمهور الناخبين المعادين لعبد الناصر من الإسلاميين وثانيهما جمهور الحقوقيين الذين يعيبون على الزعيم العربي الراحل تضييقه على الحريات إبان حكمه. في المقابل يعلم كورشيد أن لدى بعض أهله في مدنين على وجه التحديد والجنوب بصفة أوسع وتونس كلها بصفة أشمل حبا جارفا لعبد الناصر يمكن استثماره في حملة انتخابية مبكرة مضادة للحملة التي شنها عبو. بين المحاميين كل أنواع الخلاف من الذاتي إلى الموضوعي وقد شاءت الصدفة أن يكون وقودها هذه المرة شخصية عربية قسمت التونسيين في حياتها بين معاد لها ومفتون بها ومازالت تثير الجدل بينهم بعد وفاتها. عبد الناصر في سطور _ ولد يوم 15 جانفي 1918 وتوفي يوم 28 سبتمبر 1970. _ تولى السلطة من سنة 1956 إلى وفاته. _ قاد التجربة القومية (الناصرية) التي نجح من خلالها في تأسيس وحدة بين مصر وسوريا سنة 1958 لم تدم غير 3 سنوات. _ صار ملهما للعديد من العرب ومنهم التونسيون باعتباره في نظرهم رمزا للنخوة العربية و الكرامة والتصدي للغطرسة الأجنبية بينما صار لدى جزء آخر رمزا للاستبداد لاسيما مع تضييقه على الحريات وتشدده في التعامل مع الإخوان المسلمين.