التونسية (تونس) غاب جسده عن الوجود ولكن روحه وأفكاره ومبادءه وأهدافه وانجازاته وانتصاراته وخيباته.. عشّشت كلها في قلوب الملايين ممن سلبهم مشروعه القومي الوطني أرواحهم وعقولهم وألبابهم... هي قصة عشق لا تنتهي... هو كما يراه كثير منهم بصيص النور الذي ينير دروب الحيارى والتائهين في زمن حجبت فيه الأعين عن البصر وأخرست فيه الأفواه عن الردّ ومواجهة الظالم دون أن تخاف في الحق لومة لائم... هو «حامي العرين» الذي زأر في وجه العدو الغاشم وتبنّى قضايا الأمة حينها واستبسل في الدفاع عنها وتحريرها...انه «جمال عبد الناصر» الرئيس المصري الاول من حيث الترتيب ولكنه الاول من حيث الدلالة والرمزية حيث عرف «عبد الناصر» بقومية وبإحساس بالانتماء العربي لم يعرف لهما مثيل ما صيره في أذهان الكثيرين بطلا وقدوة ورمزا من غير الممكن الا يتبنوا مذهبه الفكري والسياسي. في كل يوم 23 من شهر جويلية/يوليو يحيي «الناصريون» ثورتهم المجيدة التي قادها الضباط المصريون الاحرار بزعامة «جمال عبد الناصر» ضد الاحتلال وفساد الاوضاع في مصر وهو الامر الذي اثر بدوره ايجابا في بقية الحركات التحررية بالمنطقة العربية والاسلامية التي تلتها... ولكن «عبد الناصر» رحل منذ نحو 61 سنة والمناخ السياسي الذي أعقبه انقلب عليه فماذا بقي من الناصرية؟ وهل يمكن اعتبارها خيارا وحلا ناجحا لمجابهة التحديات السياسية الراهنة؟... «التونسية» حملت هذه الاسئلة الى عدد من رموز التيار القومي الناصري بتونس وعادت بالاراء والانطباعات التالية: العميد «البشير الصيد» (رئيس «حزب مرابطون»): «حكوماتنا.. أقزام امام مجموعات عملاقة» عرف رمز التيار القومي في تونس «البشير الصيد» الناصرية بالقومية والقومية بالوطنية في معناها الاوسع،مفسرا ان «الناصرية» تخرج من الحدود الجغرافية المصرية الضيقة - على حد تعبيره - لتشمل كل الاقطار العربية، مؤكدا أنه لا يمكن استثناء «القومية الناصرية» عن أي مجال من المجالات والمعاملات الحياتية اليومية حيث لا يمكن – برأيه دائما - ان يحقق أي قطر عربي أمنه القومي أو أمنه الغذائي أو أمنه الطاقي في معزل عن بقية الدول، مضيفا: «ميزة المرحلة الراهنة (أي ما بعد جمال عبد الناصر) ان الحكومات العربية ارادت ان تتعامل مع العولمة فذهبت الى عالم الكتل الكبرى والمجموعات العظيمة وهي اقزام ولم تسع حتى الى التعويل على بقية الاقزام التي معها لتكوين مجموعة كبيرة..على الدول ان تتعولم مع بعضها قبل ان تخوض العولمة مع اتحادات عملاقة». و قال «البشير الصيد» ان القوى الاستعمارية المعادية تسعى الى ضرب الوحدة العربية التي تعتبر احد ابرز اهداف «الناصرية» وانه على الدول التي قسمها هذا الاستعمار ان تتجمع في كتلة واحدة وان تكوّن يدا واحدة واستراتيجية عسكرية واحدة قد تكرس اسس «الناصرية» الناجحة. مبروك كورشيد: «الناصرية» عكس الحركات الاسلامية المتقوقعة في الماضي» من جانبه، شدد المحامي «مبروك كورشيد» على ان الناصرية غير مرتبطة بشخص الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر» لانها حدثت بعده من ناحية ومن ناحية اخرى لان الحديث عن «الناصرية» لم ينل حظه الا بعد وفاة الزعيم - على حد تعبيره -. وبعد مضي مدة طويلة على ثورة 23 يوليو، أكد «كورشيد» ان «الناصرية» لا تزال مشروعا تقدميا وطنيا رغم مر السنين، مردفا: «ان الناصرية لا يمكن ان تتغير بتغير الزمن فهي مشروع المغزى منه المحافظة على الهوية والبصمة العربية من ناحية كما يهدف الى تحقيق الحداثة والتطور الاجتماعي من ناحية اخرى عكس الحركات الاسلامية التي لا تنظر الى المستقبل بقدر تقوقعها في الماضي». و تشبث «كورشيد» برأيه بأن «الناصرية» مشروع تحرري وطني ناجح في كل زمان وأوان وانه لا يمكن تحقيق الوحدة العربية الاسلامية والتغييرات السياسية الضرورية من دون اعتناق «الناصرية» مذهبا سياسيا ومن دون الايمان بمبادئها وبأسسها واهدافها. محمد براهمي (أمين عام حزب التيار الشعبي): مشروع ناصر لن يموت قال «محمد براهمي» أمين عام «التيار الشعبي» انه وعلى الرغم من مرور 61 سنة على ثورة 23 يوليو وكل محاولات طمس منجزات هذه الثورة فانها بقيت عصية وصامدة، مضيفا «لا يمكن ان تمحى هذه الثورة أو أن يمحى المذهب الناصري خاصة اننا نعتبرها ثورة تحررية من اجل مشروع وطني قومي لا يزال مطلوبا الى حد الآن حيث لا يزال الوطن العربي يرزخ تحت الاحتلال ولا تزال نظم الاستبداد تفتك بجماهير الامة العربية ولا يزال الاستغلال والقهر الاقتصاديان هما السمتان البارزتان في كل الاقتصادات والنظم العربية البارزة». وأضاف «براهمي» ان ثورة 23 جويلية كانت بمثابة المنطلق لانجاز المشروع الناصري الوطني القومي، متابعا: «و رغم كل هذه السنين التي مرت فقد احتفط الناصريون بالناصرية في عقولهم واحتفظ المواطنون الشرفاء بها في وجدانهم... باعتقادنا اننا اليوم بحاجة اكبر من أي وقت مضى لاستغلال الماضي والاستلهام منه لنيل التحرر والانعتاق.. عبد الناصر ليس المشروع كله ولكنه جزء منه ومشروعه لن يموت». زهير المغزاوي (قيادي ب «حركة الشعب»: الناصرية تتجدد بدوره اكد «زهير المغزاوي» القيادي بحركة الشعب ان الثورة التي قادها «عبد الناصر» غيرت وجه التاريخ العربي والاسلامي والانساني عامة، مضيفا: «من يتحدث عن ثورة 23 يوليو يتحدث عن التحرر وعدم الانحياز ومن يتحدث عنها يتحدث ايضا عن رجل عظيم في هامة «غورباتشوف» و«تيتو» خاض معركة تجاوزت على مصر لتصل الى دول العالم كافة». وعمّ بقي من «الناصرية»، قال «المغزاوي» ان الجماهير العربية مازالت الى اليوم تنادي بقيم الناصرية وترفع شعاراتها وصور قائدها، مضيفا: «بما أن المشاريع الاستعمارية تتجدد فإن الناصرية تتجدد كذلك» في اشارة منه الى العلاقة الوثيقة التي ربطت «الناصرية.. وما يحدث اليوم يثبت الحاجة الشديدة لتطبيق المشروع الناصري» بالاحتلال والاستعمار. وقال «المغزاوي» ايضا: «يجب ان تعي الجماهير العربية ان عبد الناصر لن يعود حيا وان ما من احد قادر ان ياخذ مكانه ولكن يجب ايضا ان تعي ضرورة التوحد والالتفاف لنيل التحرر المنشود»،معلنا في ذات السياق عن توجه «حركة الشعب» الى تنظيم مسامرة رمضانية يوم السبت القادم بمقر الحركة حول هذا الموضوع. «خالد الكريشي» (مستقيل من «حركة الشعب»): «من يتوهم ان الناصرية قد انتهت فعليه ان يراجع طبيبا نفسانيا» من جانبه، أوضح «خالد الكريشي» ان الناصرية وجدت لتبقى لاعتبارها برأيه مشروعا متجددا لا تموت مبادؤه بموت صاحبها «والدليل ان جل الثوار في الميادين رفعوا صور وشعارات عبد الناصر كما ان جل المطالب تصب في ذات الخانة التي جاءت من اجلها ثورة 23 يوليو» - حسب قوله -. وصرح «الكريشي» ان جذوة الناصرية تتواصل «طالما تواصلت تجزئة الامة الا وتواصلت جذوة الناصرية حيث ان الناصريين سيظلون كما كانوا دائما في الصفوف الامامية للثوار في مصر وسوريا واليمن وتونس... ومن يتوهم ان الناصرية قد انتهت فعليه ان يراجع طبيبا نفسانيا» - حسب قوله دائما -.