صادق مجلس نواب الشعب في مفتتح هذا الشهر على مشروع القانون المتعلق بتنقيح وإتمام القانون عدد 12 لسنة 1985 المؤرخ في 5 مارس 1985 المتعلق باصلاح منظومة التقاعد في تونس والحد من العجز المستفحل في الصناديق الاجتماعية والذي تجاوز ثلاثة مليارات دينار والمبلغ مرشح للارتفاع اكثر كلما تاخر تفعيل هذا القانون. حدد القانون المصادق عليه بموافقة 121 نائبا مقابل 11 إحتفاظ ورفض 5 آخرين سن الاحالة على التقاعد ب 62 سنة وب 57 سنة بالنسبة الى العملة الذين يقومون بأعمال منهكة ومخلة بالصحة كما نص على الترفيع في نسبة المساهمات بعنوان التقاعد بنسبة 3 بالمائة، يتولى المشغل تسديد 2 بالمائة منها بداية من اليوم الاول للشهر الموالي لدخول القانون الجديد حيز النفاذ في حين سترتفع مساهمة الأعوان بنسبة 1 بالمائة بداية من شهر جانفي 2020 كما ينص على الترفيع بسنة واحدة بداية من غرة جويلية 2019 بالنسبة للأعوان الذين بلغوا سن التقاعد بداية من هذا التاريخ الى غاية 31 ديسمبر 2019، وبزيادة سنتين بداية من غرة جانفي 2020 بالنسبة للأعوان الذين بلغوا سن التقاعد بداية من هذا التاريخ. دواء مر .. لا بديل عنه للشفاء رغم ان هذا القانون يعتبر من اهم الاصلاحات التي كان لا بد من العمل عليها قبل سنوات خاصة ان صندوق النقد الدولي يضعه على طاولة المفاوضات مع الحكومة في كل جلسة للاتفاق على القرض الممدد كما تدفع اليه بقوة عديد المؤسسات المالية الدولية وفوق كل ذلك تدفع اليه الضرورة التونسية لان تواصل وضع الصناديق الاجتماعية على ما هو عليه يعني حكم مؤجل بايقاف جرايات المتقاعدين وعجز للدولة عن ضمان التغطية الاجتماعية لشعبها وهو وان كان اصلاحا موجعا في ظل صعوبة الاوضاع التي تمر بها البلاد الا انه بمثابة الدواء المر الذي لا بديل عن المريض من تجرعه ان اراد الشفاء فعلا من علله. الصناديق الاجتماعية في حالة «موت سريري» مرد الحرص على سرعة تفعيل القانون الجديد هو اجماع كل الخبراء على ان الصناديق الاجتماعية دخلت في حالة «موت سريري» وان انقاذها يتطلب جرأة وسرعة قبل ان يصبح معه من المستحيل قابلية تلك المؤسسات الضرورية لحياة التونسيين الى الشفاء وهو ما يهدد ملايين المتقاعدين بالحرمان من الحصول على جراياتهم كما يمنعها من تغطية مصاريف علاج كل المنضوين تحت الصناديق الاجتماعية في وقت كثرت فيه امراض النشيطين والمتقاعدين وليس ادل على صعوبة وضعيات الصناديق الاجتماعية هو تهربها من تغطية عديد العمليات العلاجية حتى بعض العمليات الجراحية وتصنيفها لعدة ادوية هي من الضروريات على انها من الكماليات ولا يتم منح المريض حق استرداد نفقاته ويكفي ان نذكر ان خسائر الدولة حسب احصائياتها الرسمية جراء تدهور وضعية الصناديق الاجتماعية تبلغ ما يزيد عن 100 مليون دينار شهريا تدفعها الحكومة في اطار سعيها لانقاذ تلك الصناديق من الافلاس وهو ما يمثل ضغوطا إضافية على المالية العمومية ورغم ان الحكومة اقرت في قانون المالية لسنة 2018 اقتطاعات من الأجور بنسبة 1 % كمساهمات من الاجراء للصناديق الاجتماعية الا ان لا هذا الإجراء ولا مساهمة الحكومة بمبلغ 100 مليون دينار شهريا وفرا السيولة اللازمة لتغطية العجز الرهيب الحاصل في اهم مرفق من مرافق الحياة للتونسيين. التجاذبات السياسية .. من جديد حين تم اسقاط قانون التقاعد في بداية شهر مارس الفارط رغم ان لجنة التوافقات في البرلمان مررته الى جلسة عامة للمصادقة عليه وهو ما يعني ان الكتل في البرلمان وافقت على الاصلاحات الواردة فيه دعا وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي كافة الأحزاب والكتل وأعضاء البرلمان إلى إخراج ملف الصناديق الاجتماعية والمتقاعدين من التجاذبات السياسية، معتبرا أن القانون كان ضحية تجاذبات سياسية وضحية الوضع السياسي والوضع العام في البلاد عامة وبان بالكاشف ان الاحزاب لا تحركها مصلحة الشعب ولا مصلحة الدولة وانما حساباتها السياسية الضيقة في سنة انتخابية ولم ترأف الاحزاب لوضع الصناديق الاجتماعية التي وصلت خسائرها شهريا الى 100 مليون دينار رغم ان الدولة تدفع في حسابات تلك الصناديق لاسنادها كل شهر مبالغ تتراوح بين 80 و 100 مليون دينار شهريا يتم انفاقها في سداد أجور المتقاعدين في آجالها والتي يناهز معدلها شهريا 1200 مليون دينار ورغم كل تلك المصاعب اعتقد بعض التونسيين والاعتقاد في هذا الزمن السياسي التونسي الرديء هو ضرب من الوهم واضغاث الاحلام ان ازمة الصناديق ستوضع على طريق الحل على الاقل في مدى السنوات الخمس القادمة بعد ان تقرر تعديل القانون المنظم للتقاعد والصادر منذ سنة 1985 وهو ما يعني ان ما يزيد عن الثلاثة عقود قد مرت عليه تغيرت فيها الظروف التي حتمت وضعه بتلك الطريقة انذاك وان المنطق والعقل السليم يفرضان تغييره لمواكبة التغيرات الديمغرافية والاجتماعية وايضا الاقتصادية في تونس للظروف الحالية خاصة ان افلاس الصناديق الاجتماعية اكبر دليل على ان ذلك القانون عفا عليه الزمن الا انه بعد المواقفة على ما ورد فيه فصلا فصلا فان المواطن مازال تحت وقع الصدمة ليحق التساؤل هل ان صحة المواطن وراحة المتقاعد بعد ان افنى عمره في خدمة البلاد لا تستحق الاسراع في تفعيل القانون لتنطلق عملية الانقاذ لأهم مرفق له علاقة وثيقة بصحة المواطن وقوته بعد التقاعد؟ وكما كشفت عملية اسقاط القانون اواخر السنة الفارطة ثم التباطؤ في المصادقة عليه عمق الصراعات الحزبية وعمق الأزمة السياسية في البلاد حين استغلت المعارضة تغيّب نواب عن جلسة المصادقة في ديسمبر الفارط لرفض تمرير القانون بهدف ممارسة المزيد من الضغط على الحكومة في خطوة خيّبت آمال أكثر من مليون متقاعد ينتظرون إجراءات حكومية تحسّن أوضاعهم المعيشية كالترفيع في سن التقاعد وزيادات في الأجور فان التباطؤ في تفعيل القانون يبين مرة اخرى ان مصلحة المواطن في اخر سلم اهتمامات الطبقة السياسية في البلاد وان بطاقة «لاباس» التي تم توزيعها قبل يومين ما هي الا ضحك على الذقون ودعاية سياسية لا غير فالواجب يحتم ان كلمة «لاباس» يجب ان تعمم على كل النقائص لتمحوها تماما وليس لمجرد الذهاب الى مستشفى لن يجد فيه المريض الدواء ان وجد الطبيب. خلل «دستوري» وجب حله يجمع كل التونسيين ان مسار الدولة الاقتصادي متعثر ويوحي بالاسوا وان قطاع الصحة العمومية صار في «ارذل العمر» ومن يدخل أي مستشفى عليه تلاوة الشهادتين ونفس الامر ينسحب على المدارس العمومية وعلى الادارات وعلى الشركات العمومية وهو ما يعني انه قريبا جدا قد ترفع الحكومة «اجهزة التنفس الاصطناعي» عن الصناديق الاجتماعية مضطرة لانه لن يكون بمقدروها مواصلة دعمها ولن يهتم النواب بهروب «ادمغتنا» الى الخارج وسعي العاطلين عن العمل الى «الحرقة» لانه اما ان يموت جوعا في انتظار عمل لن يتوفر مادامت نسب النمو متجمدة تحت الحدود الدنيا المنطقية او ان يموت في البحر وكل هذه الافات لن يتم حلها الا بسرعة تفعيل الاصلاحات التي تفقد قيمتها كلما تاخر تنفيذها لان تزايد حجم الخسائر سيحتم وقتها اتخاذ اصلاحات اخرى .. والسبب يتحمله مرة اخرى النواب واحزابهم لأنه لو كانت المحكمة الدستورية موجودة لنظرت بسرعة في الاعتراضات المرفوعة ضد قانون التقاعد والتي هي غير كبيرة عدديا بالنظر الى عدد الرافضين للقانون عند التصويت عليه وحتى ان لم تن المحكمة الدستورية مشكلة وهي التي لن تتشكل الا بعد الانتخابات ان اتفق الاحزاب على ان يتفقوا فان الهيئة المؤقتة المعوضة لها والمكلفة بالنظر في دستورية القوانين عليها سرعة البت في الاعتراضات لان كل شهر تتاخر فيه الاصلاحات يعني عشرات المليارات الضائعة وتفاقم عذابات المتقاعدين وسائر المواطنين كما انه علينا ان لا ننسى ان البلاد في حالة طوارئ اقتصادية وهو ما يخول لها تفعيل القوانين دون تعطيل الا اذا كانت حسابات الانتخابات اهم من نقص حسابات خزينة الدولة.