بين التعثر والتقدم وغلق الباب وفتحه، تتواصل المشاورات الروتينية والمملة حول التحالفات الانتخابية دون أن يتم الإعلان رسميا عن ميلاد أي تحالف. فلماذا تتعطل التحالفات الانتخابية لاسيما بين الأحزاب المتقاربة والمنتمية إلى العائلة الحزبية الواحدة؟ تونس الشروق: المشاورات المتقدمة جدا بين حزب البديل التونسي وحركة "تحيا تونس" توقفت حسب تأكيد رئيس "البديل" مهدي جمعة. هذا الفشل لم يعد مفاجئا فقد خبرناه في محاولات التحالف والتآلف والاندماج والتقارب والتنسيق… لكن المفاجئ أن يشير جمعة إلى ندمه عن تضييع الوقت في تلك المشاورات والأغرب أن تتعثر المفاوضات بالنظر إلى الاعتبارات التالية. قد يستغرب البعض فشل محاولات توحيد اليسار. ولكن الغرابة تزول عندما نعلم أن اليسار يضم أطيافا ذات إيديولوجيات متضادة حينا ومتعادية في ما بينها حينا آخر. وقد لا يهضم البعض فشل محاولات توحيد أبناء العائلة الدستورية الواحدة قبل أن يزول سوء الهضم بالوقوف على التباين الواضح بين الدساترة في الهدف والمنهج والموقف من الإقصاء السياسي… لكن العائلة الوسطية التقدمية تحوي اليوم أحزابا وحركات ذات هدف واحد ومنهج واحد ومشروع واحد وخلفية فكرية واحدة فأي مبرر لتعطل المفاوضات بينها؟ تقدم في المشاورات المفاوضات توقفت بين البديل وتحيا تونس، وفيما ينتظر الأول مستقبل حزب النداء ومدى استجابة بعض الأحزاب الوسطية لدعوته في التحالف، سجل "تحيا تونس" تقدما في مشاوراته مع حركة مشروع تونس وحزب المبادرة وفق ما أكده الناطق الرسمي باسم حركة المشروع حسونة الناصفي هذا الثلاثاء على فضائية التاسعة ولكن لماذا تتعطل المفاوضات الأولى دون الثانية؟ السبب الواضح أن الأحزاب الثلاثة التي حققت تقدما تشترك في حكومة الشاهد الحالية خلافا لحزب البديل غير الممثل في الحكومة على أن هناك سببا غير واضح وهو إشارة البعض إلى توقف المشاورات بين "البديل" و"تحيا تونس" بسبب عدم تدخل الحكومة لصالح مهدي جمعة في القضية المرفوعة ضد شقيقه. هذه المشاورات توقفت إذن بسبب شخصي. لكن تواصل المفاوضات بين الثلاثي الآخر، والحديث عن تقدم فيها لا يعني حتمية إعلان التحالف. إذ قد يترك أي طرف مقعده وينصرف عن طاولة المفاوضات في أي لحظة للأسباب التالية: صراع الزعامة لليسار التونسي أسبابه الخاصة التي تمنع توحده. وللدساترة أسبابهم التي تحول دون تجمعهم ولكن لجميع العائلات الحزبية سبب موحد للتفرقة يتمثل في الزعامة. ففي اليسار يحاول كل حزب أن يكون النواة الموحدة لليساريين. وفي العائلة الدستورية ترى كل شخصية نفسها الأحق بتزعم الدساترة جميعهم. وفي عائلة اليسار الاجتماعي الديمقراطي (الحراك والتيار الديمقراطي والتكتل وحركة وفاء والجمهوري…) يرى كل قيادي أنه الأول بقيادة العائلة كلها. وهو سبب يتكرر اليوم مع العائلة الوسطية التقدمية. وفي هذه العائلة كان التحالف ممكنا لو حافظ حزب النداء على قوته ولو ساعد على رفع أسهم مؤسسه الباجي قايد السبسي. ولكن خلافاته التي لا تنتهي سحبت منه القدرة على التجميع فباتت بقية أحزاب هذه العائلة تتنافس على الفوز بأحقية تعويض النداء والحال أن بعضها لا يملك القوة الكافية (حزب المبادرة) وبعضها الآخر لم يتجاوز فترة التأسيس (حركة تحيا تونس). رؤية جديدة للزعامة لم يكن للمفاوضات بين تحيا تونس وحركة المشروع والمبادرة أن تتقدم لولا توفر رؤية جديدة للزعامة أولها عدم إعلان الحركة الأولى رسميا عن زعيمها، وثانيها قبول مؤسس الحركة الثانية محسن مرزوق بالتنازل عن زعامته، واقتناع زعيم المبادرة كمال مرجان بغياب أي منفعة في بسط زعامته. ورغم تجاوز العائق الأساسي المتمثل في الزعامة فإنه لم يتم بعد الإعلان عن تحالف الثلاثي. بل هناك مجرد حديث عن تقدم المفاوضات فعمّ يتفاوض القوم؟ هو تحالف انتخابي يفترض أن تكون المفاوضات حوله محدودة في الزمن ومحددة في المضمون (كيفية تكوين القائمات الانتخابية المشتركة أو الموحدة). ولكن الظاهر أن هذه المفاوضات تتعلق بالمنافع والمزايا وكل ما يغنمه كل متحالف على المدى القصير (قبل الانتخابات) والمدى المتوسط (بعد الفوز بالانتخابات التشريعية) فضلا على التفاوض حول الشخصية الأحق بالترشيح للرئاسية. بعض الأسباب التي أفشلت تحالف "تحيا تونس" مع البديل متوفرة في محاولة التحالف بين تحيا تونس وحركة المشروع والمبادرة. ولن نتفاجأ إذا أطل علينا الناصفي أو غيره ليخبرنا بتوقف المفاوضات وندم عمرو أو زيد عن خوضها. مشاورات متواصلة حول التحالف بالتوازي مع مشاورات الأحزاب الوسطية، تتواصل حاليا العديد من المشاورات الأخرى بين بعض الأطراف السياسية قد يكون أهمها ائتلاف قادرون الذي يضم عددا من الأحزاب (مثل المسار والمستقبل والحركة الديمقراطية) وعشرات من الشخصيات الوطنية والسياسية والمستقلة وهي مفتوحة لمن يرغب في الالتحاق بهدف تكوين جبهة أو ائتلاف أو تحالف قادر على المنافسة في الانتخابات القادمة. وبالتوازي يسعى المستقلون الذين فازوا في الانتخابات البلدية الماضية إلى تأسيس تحالف انتخابي منفتح على البلديين المستقلين والشخصيات المستقلة غير المعنية بالعمل البلدي بهدف إعادة النجاح في الانتخابات التشريعية القادمة. ومن غير المستبعد أن يعود بعض أحزاب العائلة اليسارية الاجتماعية إلى المفاوضات بهدف تأسيس تحالف انتخابي والتوافق على ترشيح شخصية واحدة منها للرئاسية.