انتهت وزارة العدل مؤخرا من استكمال برنامجها لتركيز خلايا الفصل السريع في القضايا الجزائية الذي انطلقت فيه في موفى 2015، بالتعاون مع برنامج دعم إصلاح القضاء وبعثة الإتحاد الأوروبي بتونس، ليشمل ال28 محكمة ابتدائية وذلك بتركيز آخر خلية بالمحكمة الابتدائية بتونس. تونس : الشروق وللتعرف على مزيا البرنامج وأهدافه كان ل"الشروق" لقاء مع القاضي رضا موسي متفقد بالتفقدية العامة بوزارة العدل وأحد اعضاء الهيئة المشرفة على تركيز خلايا الفصل السريع بالمحاكم الابتدائية. الإطار العام للبرنامج أوضح محدثنا أن برنامج خلايا الفصل السريع بالمحاكم الابتدائية يندرج في اطار الحرص على ضمان حسن عمل المحاكم وتحسين مردوديتها ونجاعتها بما يساهم في إنفاذ القانون وإيصال الحقوق لأصحابها في آجال معقولة احتراما لشروط المحاكمة العادلة وحقوق الانسان وإقامة العدل وضمان الأمن العام والاستقرار وعدم تكريس سياسة الافلات من العقاب. وأشار المتفقد رضا موسي الى ان البرنامج أوكل للتفقدية العامة بالوزارة مهمة تنفيذه ومتابعته وقد تكوّن فريق عمل من متفقدين قضائيين تلقوا تكوينا فنيا تحت إشراف عدد من الخبراء التابعين لبرنامج دعم إصلاح القضاء كما تولوا القيام بزيارة ميدانية الى المحكمة الابتدائية بفرنسا للاطلاع على كيفية عمل خلية الفصل السريع والاستئناس بها. وقد انطلق العمل وفق البرنامج بتركيز أول خلية بالمحكمة الابتدائية بمنوبة حيث تم تشخيص حجم العمل بالمحكمة وماهي الصعوبات المطروحة خاصة أمام المتقاضين. معضلة الاحكام الغيابية وطول نشر القضايا لاحظ محدثنا ان الاشكال الاساسي في القضاء الجزائي وفي إنفاذ القانون هو طول الزمن القضائي وظاهرة الاحكام الغيابية. وأوضح بخصوص طول الزمن القضائي ان الامر نتج عنه فقدان المواطن الثقة في القضاء جراء طول اجراءات التقاضي منذ لحظة تقديم الشكاية الى حين صدور الحكم. وفي صورة صدور حكم غيابي تنطلق مشكلة ثانية اذ ان الحكم فيه مس من احد شروط المحاكمة العادلة وهو مبدأ المواجهة الذي يمنح للمتهم حق الدفاع عن نفسه امام المحكمة وفي سياق متصل أضاف بخصوص الحكم الغيابي انه لابد من الاعلام به حيث يوجه الى الضابطة العدلية (حرس أو شرطة) حسب مقر المحكوم ضده والمشكل أيضا قد يبلغ ذلك الحكم وقد لا يبلغ في حال تغيير المعني بالامر عنوان مقر إقامته. وفي هذه الحال تضطر المحكمة لاصدار منشور تفتيش ضد المحكوم ضده وقد يتم القبض على المعني بالامر وقد يتم العكس. ولاحظ المتفقد رضا موسي ان أغلبية الاحكام الغيابية تأخذ حيزا زمنيا كبيرا وللأسف قد تؤول أكثرها الى السقوط بمرور الزمن وبالتالي غياب الردع وعدم انصاف الشاكي وهو ما يجعل انفاذ القانون معطل والعدالة لا تتحقق. وهنا أكّد محدثنا ان الغاية من إصدار الاحكام ارجاع الحقوق الى أصحابها ومعاقبة المجرم على ما ارتكبه من أفعال وليس العكس. اذ اثارت معضلة الاحكام الغيابية تشكيات عديدة سواء من الجانب القضائي أو الضابطة العدلية فضلا عن تشكيات المتقاضي نتيجة المجهودات المبذولة دون إنفاذ للقانون الذي سن لينفذ ويحقق الامن العام. كما تطرق محدثنا الى أهمية تفعيل آلية الصلح بالوساطة دون اللجوء الى المحاكمة. عمل خلية الفصل السريع قال محدثنا ان الهدف الاساسي من تركيز خلايا الفصل السريع في القضايا الجزائية هو التحكم في الزمن القضائي ملاحظا انه كلما طال الزمن القضائي كلما فقدت العدالة قيمتها ومصداقيتها. وحول عمل الخلايا أوضح محدثنا أن النيابة العمومية في شخص المساعد المشرف على خلية الفصل السريع تتولى البت في المحاضر الجزائية وذلك بالتنسيق والتشاور مع الضابطة العدلية التي تحيل فيما بعد محضر البحث مستوفى جميع الموجبات حتى تتخذ فيه النيابة العمومية القرار المناسب دون إرجاع. ثم يعطي مساعد وكيل الجمهورية تعليماته للضابطة العدلية باستدعاء الاطراف المعنية (الشاكي والمشتكى به) ولا تتجاوز الآجال 15 يوما على ان يرفق رقم الاستدعاء بمحضر البحث. وعلى باحث البداية إثر ذلك إحالة المحضر في آجال 10 أيام على أنظار خلية الفصل السريع ثم يتخذ مساعد وكيل الجمهورية القرار اما بالحفظ او الاحالة وفي صورة الاحالة تحال المحاضر عندئذ الى الجهة المعنية اي الدائرة المختصة. وتتولى الدائرة المعنية توجيه الاستدعاءات لأطراف القضية وكل ذلك في آجال معقولة على غير المعمول به فضلا عن صدور احكام حضورية. نتائج إيجابية أكّد محدثنا ان طريقة الفصل السريع في القضايا الجزائية لا تمس بالقانون بل ان الاجراءات المنصوص عليها بمجلة الاجراءات الجزائية وقع احترامها ولم يقع المساس بحقوق الدفاع وإنما تم إعادة النظر في كيفية الاسراع بإيصال الحقوق لأصحابها وستساهم بقدر كبير في تحقيق السرعة والنجاعة، مشيرا في هذا السياق الى نجاح التجربة الاولى بمحكمة منوبة حيث تم توجيه 600 استدعاء لأطراف الدعوى الجزائية، حضر منهم 598 شخصا. وأضاف انه بعد تجربة منوبة انطلق العمل في تعميم تركيز خلايا مماثلة ببقية المحاكم الابتدائية آخرها محكمة تونس 1 وقد ثبت انها حققت نتائج جد إيجابية للعدالة الجزائية وذلك بتظافر جهود كل الجهات المعنية التي كانت متفاعلة ومتحمسة من أجل انجاح البرنامج. وانتهى المتفقد رضا موسي بالتأكيد ان البرنامج يعتمد على المتابعة قصد التدخل السريع في حال وجود مشكل ما. ولم يخف محدثنا تفاؤله بنجاح البرنامج من أجل إصلاح منظومة العدالة رغم عديد النقائص. خلايا الفصل السريع تم تركيز خلايا الفصل السريع في القضايا الجزائية بجميع المحاكم الابتدائية. وتتكون من مساعد وكيل جمهورية يختاره وكيل الجمهورية، مع نائب له ينوبه عند الاقتضاء بالإضافة إلى كاتب خلية يتعهد بتحرير المحاضر وإعلام المتهم أو المتضرر. ويتعلق البرنامج بالمحاضر والشكايات التي تتعهد بها النيابة العمومية. وأغلبها جنح،(يكون المعني بالامر بحالة سراح ) وتهدف الى الاسراع في الفصل في القضايا.