بحضور جمهور غفير بدأ يتوافد على قاعة سينما الكوليزي منذ الساعة الثانية بعد الزوال (قبل العرض بساعة)، قدّم المخرج السينمائي محمد الزرن عشية السبت الماضي، ضمن قسم البانوراما في ايام قرطاج السينمائية، العرض الاول لفيلمه الجديد «الامير». وتحدّث المخرج قبل بدء العرض، عن صفة «الأمير» في الفيلم، مشيرا الى ان «الامير» ليس بطل الفيلم فحسب وانما هو «أنا، وأنتم... وكل تونسي حالم...». شارع بورقيبة و»الأمير» في سيرة الزرن السينمائية، هو ثاني فيلم روائي طويل بعد «السيدة» الذي انجزه عام 1996، ورسم به فضاء جديدا، هو الحي الشعبي، المختلف تماما عن الفضاءات المتداولة في الافلام التونسي، سواء التي سبقته او ظهرت بعده... وفي «الأمير»، حط الزرن احداثه هذه المرّة في قلب العاصمة، وتحديدا في شارع الحبيب بورقيبة الذي يجمع في الواقع كل الفئات الاجتماعية من عملة وموظفين، وعاطلين عن العمل ومثقفين وشعراء وفنانين، وبوهوميين... ومن هذه الفئات اختار الزرن، بائع الورد «عادل» الذي لا يختلف في الواقع عن بطل «السيدة»، الا من حيث مقر العمل، او المكان الذي يرسم علاقاته، ويسمح له بأن يكون راصدا للفضاء، ولكل ما يدور فيه. وبائع الورد في «الأمير» هو في الواقع عين المخرج وعدسته، بفضله يدخل الى البنوك، وبيوت المثقفين وبيوت المواطنين العاديين. بائع الورد ومديرة البنك وللتسلل الى كل هذه الفضاءات، يرسم الزرن لبطله «بائع الورد» قصة حب خيالية، وصعبة في الواقع، اذ يقع في غرام مديرة بنك ميسورة. وللوصول إليها، يستغل هذا الاخير اطماع رجل أعمال متحيل، يطلب منه اعداد باقة ورود وارسالها الى مديرة البنك الذي ينوي التحيل عليها... وفي البنك تبدأ قصة الحب الحقيقية بين بائع الورد ومديرة البنك، ولكن من طرف واحد. عوالم غريبة وفي سرد احداث قصة الحب، يتسلل الزرن ببطله «بائع الورد» الى عوالم اخرى... عالم صاحب المجلة الفكرية، «المجهول» الذي يعاني من ديون كثيرة نتيجة عزف القراء عن شراء مجلته... وعالم رجال الاعمال المتحيلين الذين يستدينون من البنوك بحجة انجاز مشاريع هي في الواقع وهمية... وعالم ضعاف الحال الحالمة بالثروة من خلال لعب البروموسبور... وعالم الزيف الذي يعيشه الشباب بعيدا عن كل القيم والمبادئ... وعالم الفنان الذي اهمله المجتمع فصار منسيا محقورا. هزل وجد كل هذه العوالم جمعها المخرج في حكايات موازية، ومشاهد مختزلة حول قصة الحب المحورية التي تنتهي في الواقع بلقاء «سريالي» بين بائع الورد ومديرة البنك الجميلة والثرية. وتعكس كل الحكايات والمشاهد، الواقع الاجتماعي الذي يعيشه ابطال الفيلم، من زيف، وتدن للاخلاق ولهفة على المال، وتهميش للفكر والفن... وهناك تكمن الرسالة الحقيقية للفيلم، الذي رغم سوداويته ومأساويته، يحمل أملا كبيرا، وهزلا نادرا ما تضمنته السينما التونسية. الحياة اليومية والفيلم عموما هو نقل للحياة ا ليومية للتونسيين بمختلف فئاتهم الاجتماعية... وهو كذلك تكريم لشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة الذي يبدو في حد ذاته شاشة سينما كبيرة تكفي وحدها لتحكي كل ما يدور في المجتمع. وبقدر ما تبدو احداث الفيلم قريبة من كل فرد في المجتمع، فقد تميّز كذلك بالصراحة والعفوية والطرافة الى درجة ان المتفرّج يمكن ان يشعر بوجوده بين الاحداث، ويمكن القول ان محمد الزرن نجح هذه المرة في صناعة المادة التي يودّها الجمهور لا لشيء سوى لانها تمثل جزءا منه.. ومثلما نجح الزرن في اختيار مادته من الشارع التونسي بلا زيف ولا ديكور، نجح الممثلون كذلك في التماهي مع رجل الشارع الذي يعتبر البطل الحقيقي في الفيلم... فبدا الاداء طبيعيا ومقنعا، وخصوصا لدى الممثل الشاب نصرالدين السهيلي، والممثل احمد السنوسي والممثلة سنية المنقعي... كما ابدع الممثل مصطفى العدواني على عكس الممثل عبد المنعم شويات بطل ا لفيلم الذي كان آداؤه باردا. ولعل ابرز ما يحسب للمخرج محمد الزرن في الفيلم هو كتابة السيناريو على عكس الاخراج وادارة التصوير بالخصوص، فلم يقع التركيز مثلا على مشهد الفنان حسن هرماس في الاشارة الى وضعية الفنان السيئة، وكان يستحسن تصميمها بشكل فني مؤثر مثلما وقع تصوير مشهد تشييع جنازة الفكر، بعد اعلان افلاس مجلة «المجهول». باستثناء هذه الاشارات يمكن الحكم منذ الان بنجاح الفيلم وخصوصا بالنسبة للجمهور، مع العلم وان خروجه الى القاعات التجارية سيكون في نهاية شهر نوفمبر من العام الجاري.