هندسة السلطة في تونس فرضت علاقة جدليّة بين مختلف السلطات. وهو ما فرض حتمية التنسيق بينها وتكامل وظائفها.و يتسبّب أي تقصير من إحداها في تعطيل عمل باقي السلطات. هذه الصورة يمكن إسقاطها بشكل حرفي على ما يحدث في البرلمان مؤخرا وعلاقته بباقي السلطات. تونس «الشروق» انتقل مجلس نواب الشعب من الوظائف الاصلية التي يمارسها وفقا لما ينص عليه الدستور وهي الوظيفة التشريعية والوظيفة الرقابية لاعمال الحكومة إضافة الى منح الثقة للحكومة وسحب الثقة منها، ليصبح من المؤسسات المعطّلة لعمل الدولة بسبب العديد من الظواهر السلبية التي طفت على سير عمله في الفترة الأخيرة. البحث عن النصاب تعطيل سير دواليب الدولة بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر بدأت تظهر بشكل تدريجي حتى تفاقمت في الفترة الأخيرة بسبب هجرة عدد كبير من النواب لمقاعدهم وانشغالهم بمحاولة حجز مقاعد في البرلمان القادم. هذه الهجرة فاقمت ظاهرة الغياب وأصبح البرلمان يعجز عن تمرير مشاريع القوانين وتتعطل الجلسات العامة بالساعات بحثا عن النصاب القانوني. آخر حلقات هذا المسار العبثي الذي دخله البرلمان منذ فترة، يتمثل في رفض لجنة المالية خروج تونس الى السوق المالية العالمية لتعبئة قرض رقاعي في صيغة اكتتاب للعموم أو اكتتاب خاص لدى المؤسسات المالية العالمية بما يعادل مبلغا أقصاه 800 مليون دولار لتمويل ميزانية الدولة لسنة 2019 . لجنة المالية ترفض لجنة المالية رفضت هذا الطلب خلال جلسة استماع حضرها وزير المالية رضا شلغوم، بعد أن صوت 4 نواب مع و4 نواب ضد. واحتفظ أحد النواب بصوته. وهو ما أسقط هذا الطلب. ويمكن القول إن ضعف حضور نواب ائتلاف السلطة كان سببا رئيسيا في سقوط ما حاول وزير المالية تمريره، ارتباطا بالفصل 32 من القانون المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي الذي ينصّ على أنه للوزير المكلف بالمالية أن يفوّض للبنك المركزي في حدود ما تم إقراره بقانون المالية إصدار قروض رقاعية على الأسواق المالية الدولية باسم الدولة ولحسابها بعد أخذ رأي اللجنة المكلفة بالمالية بمجلس نواب الشعب في أجل أقصاه 10 أيام من تاريخ تقديم الطلب للمجلس. ضعف الحضور النسق البطيء لأشغال البرلمان وضعف الحضور، تسبب في تعطيل العشرات من مشاريع اتفاقيات القروض التي توفّر مبالغ مالية هامة للدولة، منها ما سيتم استثماره في البنية التحتية ومنها ما يتعلق بالتنمية في مناطق تُعرف بمراتبها المتأخرة جدا في مؤشر التنمية وطنيّا، إضافة الى مشاريع القوانين التي تطلب الحكومة استعجال النظر فيها. نصوص أخرى بقيت رهينة حضور النواب وتوافقهم، منها ما يعتبر «حياتيّا» لعمل الحكومة ومنها ما يتعلّق بمحاولة ملاءمة نصوص قانونية قديمة مع الدستور .. كلها بقيت عالقة في أروقة البرلمان بسبب استهتار عدد كبير من النواب بالعمل النيابي في نهاية الدورة البرلمانية الخامسة والأخيرة لمجلس نواب الشعب. الناصر يتدخل دعا رئيس البرلمان محمد الناصر رؤساء الكتل النيابية مرات عديدة طالبا منه حث نوابهم على الحضور في محاولة للتقليص من نسبة الغيابات إضافة الى القيام بنشر أسماء النواب المتغيبين والاقتطاع من منحهم. لكن كل هذه الإجراءات لم تساهم في الترفيع من نسبة الحضور.