تزايد منسوب الاتهامات لمؤسسات سبر الآراء في الفترة الاخيرة قياسا بما تقدمه من توجيه للرأي العام وتحيّل على الناخبين، فهل سيكون البرلمان في مستوى مسؤولية الانتصار للديمقراطية ليسن قانونا ينظم هذا القطاع من الانتصاب الفوضوي قبل الانتخابات. تونس «الشروق» وبعد انتفاضة حركة النهضة ضد نتائج سبر الآراء الاخيرة قال رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بدوره أن الاعلان عن نتائج محتملة للانتخابات عبر ما تقدمه نتائج سبر الآراء قبل الاوان من شأنه ان يخلق حمى انتخابية لافتا الى ان نتائجهم غير حقيقية، وقد تكون لهذه المواقف خلفيات سياسية لكن بغض النظر عن المعطى السياسي فيها فان تزايد منسوب النقد لعمل مؤسسات سبر الآراء يدفع نحو تسليط الضوء على أعمالها أملا في تنظيم القطاع بمنأى عن التوظيف السياسي. غياب الإطار التشريعي الثابت والأكيد وفق خبراء الشأن أن عمليات سبر الآراء وبخاصة في المجال السياسي لا يمكن ان تعد الا علامة ديمقراطية صحية حيث أن الديكتاتوريات لا وجود فيها لنوايا تصويت عدا التصويت للزعيم الأوحد، وتركزت في تونس مطلع التسعينات شركات سبر اراء اقتصرت على المجال التجاري ولم تبرز عمليات سبر الآراء في المجال السياسي سوى تزامن مع بداية الانتقال الديمقراطي والحراك الذي جعل من المادة السياسية محل متابعة. وانتقال مؤسسات سبر الآراء من المجال التجاري الى السياسي استأثر باهتمام عدد من المتابعين الذين لاحظوا في عمليات سبر الآراء انحرافات عديدة ومتعددة بداية من فقدان الاطار التشريعي المنظم للعملية، وفي هذا السياق يرى الاكاديمي والباحث في الميديا الصادق الحمامي أن عملية نشر استطلاعات الرأي في تونس غير خاضعة لتنظيم قانون أو مهني لافتا الى أن الفصل 172 من القانون الانتخابي افترض وجود اطار تشريعي للعملية من خلال ما تضمنه :» يحجر بث نتائج سبر الآراء المتعلقة بنوايا التصويت خلال الفترة الانتخابية وذلك الى حين صدور قانون في الغرض». مخاطر عديدة وأدى فقدان الاطار التشريعي الى حدوث حالة من الانتصاب الفوضوي لمؤسسات سبر الآراء وانتهاج اغلبها لمناهج غير علمية واخفاء العينات التي تناولتها بالدرس - ان كانت تناولتها حقا-، والاخطر من ذلك ما باتت تتداول الكواليس السياسية بشكل متواتر حول شركة سبر اراء تطلب من ‹›حرفائها›› مبلغ 600 الف دينار مقابل مجرد الظهور في ترتيب نوايا التصويت. ويلاحظ الحمامي أن من مخاطر استطلاعات الرأي العام على الناخب امكانية تلاعب الشركات بالمعلومات وبطرق تقديمها لها في ظل غياب الاطار التشريعي المنظم للعملية، وعلى هذه الشاكلة تكون عمليات سبر الآراء تحيل وتوظيف يمكن ان يؤدي الى استبدال الشرعية الديمقراطية القائمة على الانتخابات بشرعية «مزيفة» ومصطنعة تتحول معها الممارسة السياسية من ادارة الشأن العام بما يخدم المصلحة العامة الى ادارة اهواء الجمهور قياسا بنسب رضاء مفتعلة. واضاف الحمامي ان شركات استطلاع الرأي تزعم في كثير من الاحيان انها تقدم دليلا علمياوموضوعيا وموثوقا بخصوص ماتنشره من نتائج حول مرشح ما والحال أن ذلك لا يتعدى علميا حدود الصورة الحينية لنوايا التصويت ولاتعبر بشكل حقيقي عن الواقع مستدلا في ذلك بنتائج استطلاعات الرأي التي توقعت فوز هيلاري كلينتون في الانتخابات الامريكية ليكذب ذلك فوز دونالد ترومب. ويخلص محدثنا الى أن تنظيم عملية نشر استطلاعات الرأي أمرً مستعجلً للغاية حيث بات البرلمان مدعوا الى سن إطار قانوني كما ان أهل المهنة انفسهم مدعوون الى اصدار آليات تنظيم ذاتي مهني دفاعًا عن مصداقية مهنتيهم، مضيفا بأن السبيل لتجاوز المخاطر المحتملة في التلاعب بالنتائج يفترض ايضا قدرا عاليا من الشفافية لدى وسائل الاعلام حتى لا تتحول بدورها إلى مجرد ناقلة لها وكذلك تركيز هيكل رقابي على مكاتب استطلاعات الرأي. في المحصلة، تقدمت للمؤسسة التشريعية من التأسيسي الى البرلمان أكثر من مقترح قانون يهدف الى تنظيم عمليات سبر الاراء واخرها ماقدمه نواب التيار الديمقراطي في ماي 2016 غير أن تعامل السياسيين مع المسألة بانتهازية دفع الى عدم المصادقة على مقترحات القوانين ولا على القانون الذي نص عليه قانون الانتخابات، وقد يستمر الوضع على هذا الحال طالما ثمة أطراف تستفيد من العملية. تخاذل سياسي يؤكد خبراء الاتصال أن غياب الرقابة العمومية والذاتية المهنية على سبر الآراء وانعدام اطر تشريعية منظمة لها من شأنه ان يرسخ في ذهن عموم التونسيين نظرية المؤامرة الخفية التي تحاك للتلاعب بإرادة الناخبين وتعزيز نزوة التلاعب بالاستطلاعات من قبل السياسيين الذين يتعاملون معها بطريقة انتهازية من خلال التنديد بها عندما لا تتوافق مع مصالحهم والسكوت عنها عندما تعلن قبول التونسيين بهم. فرق شاسع قياسا بالدول الديمقراطية تحيل التجارب المقارنة الى خضوع كل عمليات استطلاعات الرأي الى تنظيم هيكلي محكم حيث يشرف المجلس الوطني لاستطلاع الرأي على العملية في الولاياتالمتحدةالامريكية ويقوم بدور التنظيم الذاتي للقطاع والمهنة، فيما يشرف المجلس البريطاني للتصويت على وضع المعايير المهنية وعلى التعاون مع الصحفيين في التعاطي مع نتائج سبر الآراء، وتتكفل الهيئة الوطنية للاستطلاعات الفرنسية بمراقبة الخطوط الفاصلة بين نتائج سبر الآراء والقرار الانتخابي علما وان الهيئة تتركب من قضاة وشخصيات مستقلة لها الكفاءة بينما لا يزال قطاع سبر الآراء في تونس مرتعا للمقايضات السياسية، حيث أن منظمة ‹›ايسومار›› بوصفها المنتظم الواضع للمعايير المهنية والاخلاقية التي تتقيد بها كل مكاتب سبر الاراء في العالم لا تنتمي اليها أي مؤسسة سبر اراء تونسية.