اهتم الرشيد بعاصمة ملكه بغداد فأشاد حولها ثلاثة اسوار وجعل لها اربعة ابواب وحفر حولها خندقا وشيد فيها قصرا يسكنه عرف بقصر الذهب وبنى على مقربة منه المسجد الجامع وحوله قصور الامراء وقادة الجند ودواوين الحكومة ، وكانت ضواحي المدينة مليئة بالحدائق والمتنزهات والحمامات وقد بلغ عدد سكانها في عهده نحو مليونين .وكانت بغداد في ذلك العصر تعد عروس الاقطار الاسلامية والاوروبية في ان واحد ومبعث فخر واعجاب كل من زارها ، والى جانب بغداد ازدهت مدن كثيرة في عهد الخلافة العباسية مثل البصرة وبالغ الواصفون في وصف كثرة انهارها وكثرة الزوارق فيها ولعلهم اخطأوا في الحديث عن الجداول فعدوها انهارا وقد اشتهرت بكثرة النخيل وجودته ، وكذلك الشأن بمدين الكوفة التي عرفت بتشيعها لان الامام علي بن ابي طالب جعلها عاصمة خلافته الى ان قتل . وناظرت الكوفة البصرة في المذاهب النحوية وكان لهم مذهب خاص اشتهروا به . واشتهرت مدن اخرى مثل الفسطاط في مصر والقيروان بافريقية ودمشق وحمص في الشام والموصل بشمال العراق والاهواز بفارس اضافة الى مكةوالمدينة في جزيرة العرب تزوج هارون الرشيد كثيرا من النساء ، كان اكثرهن شهرة ومكانة عندهن ، وذكرا في ارجاء الخلافة زبيدة بنت محمد بن ابي جعفر المنصور بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . تزوجها الرشيد سنة 165 هجري في خلافة والده المهدي ببغداد وهي ام ولده محمد الامين والتي كانت تعده ليكون الخليفة وقد سعت لذلك جاهدة وكانت سيدة جليلة القدر عظيمة الشأن سخية يؤثرها على غيرها من زوجاته ومن زوجاته ايضا ام ولد موسى التي انجبت له عليا كما تزوج العباسة ابنة سليمان بن ابي جعفر سنة 187 هجري وتزوج ايضا الجرشية العثمانية . اما اولاده فقد بلغ عددهم احد عشر من الذكور واربعة عشر من الاناث . واشتهر الرشيد بولعه بالعلم والمعرفة بل انه كان يرتحل طلبا للمعرفة اذا سمع عن بعض العلماء والزهاد فقد ذكر القاضي الفضل . ما اعلم ان لملك رحلة في طلب العلم الا الرشيد فانه رحل بولديه الامين والمأمون لسماع الموطأ على مالك بن انس . كما كان يهتم بتعليم ابنائه اصول الادب والفقه . روى الاحمر النحوي قال بعث الي الرشيد لتأديب ولده محمد الامين فلما دخلت عليه قال يا أحمر ان امير المؤمنين قد دفع اليك بهجة نفسه وثمرة قلبه ، فصير يدك اليه مبسوطة وطاعتك عليه واجبة فكن له بحيث وضعك امير المؤمنين اقرئه القران وعرفه الاثار وروه الشعر وعلمه السنن وبصره مواقع الكلام .... وكان هارون يطرب الى الشعر ويدني الشعراء والادباء ويجزل لهم العطاء . لذلك كان عهده ذروة دولة العباسيين وبلغت معه الدولة الاسلامية شأنا عظيما وصارت بغداد تاج الخلافة وتحولت الى اقوى عواصم العالم قاطبة بعد ان اصبحت مركزا تجاريا وسوقا عظيمة وشمل الرخاء كامل اقطار الخلافة على نحو لم يتوفر من قبل وشاعت العدالة بين الناس . يتبع