اشتهر هارون الرشيد باعتماد التنظيم الاداري وظهر ذلك جليا في تعامله مع وزرائه واعوانه اذ عول على البرامكة سواء يحيى الوزير الاكبر او ابناؤه الفضل وجعفر ومحمد فقد مكنهم من تفويض كامل لتسهيل عملهم وسرعة انفاذ قراراتهم وقام باحداث مجلس استشاري يجمعه صحبة الوزير الاكبر وبعض افراد العائلة المالكة وعدد ممن يتم تعيينهم بالتشاور بين الخليفة والوزير ويكون دور هذا المجلس مناقشة المسائل العامة مثل ايرادات الدولة ومصروفاتها وتعيين كبار الموظفين وعزلهم . وبجانب ذلك حرص الرشيد على احداث مهمة صاحب البريد اذ كان يعتبرها مهمة جليلة وذات شأن عظيم في الاطلاع على الاخبار من كل قطر عبر اتباع واعوان منتشرين في كل ربوع الدولة واعتبر الخليفة ان اساس ملكه يرتبط بسرعة المبادرة وليس ذلك متيسرا الا اذا كانت الاخبار تصله في وقتها بلا تأخير . كما قام بتعيين امير على كل قطر وتقتضي مهمته بوضوح الحكم نيابة على الخليفة ، فيفرض الضرائب ويحصل الاموال ويصرف مما تحصل على الاصلاحات العامة ويرسل الباقي الى عاصمة الخلافة في بغداد . وكان بكل مدينة شرطة يحملون القابا عسكرية خاصة وديوان للحسبة وآخر للرسائل والمراسيم .وديوان للخراج ، وديوان للجند وديوان للمظالم وهو اعلى من المناصب القضائية لانه ينظر في المظالم التي يتهم فيها الامراء او الولاة او ابناء الامراء ونحو ذلك ممن يتحرج القاضي في انفاذ الامر عليهم وكان الرشيد يرأس هذه المجالس ويفرد لها يوما خاصا ويحرص على انفاذ احكامها . كما انشأ هارون دارا في بغداد تسمى دار الضرب وفيها تصك النقود وقد تم احداث فروع لها في القاهرة ودمشق والبصرة ، وعنيت الدولة العباسية في عهده بالزراعة وخاصة بين دجلة والفرات وتم مد شبكة من القنوات الخزفية لا تزال اثارها باقية الى يومنا هذا ، كما تم الاعتناء بالمواد المعدنية واستخراج الحديد والرصاص والفضة وتم استجلاب حاجات البلاد من الاقاليم المجاورة مثل فارس وخرسان ، واحدثت المصانع ببغداد وسمراء لصناعة الصابون والزجاج والملح والكبريت والورق والنسيج ، وازدهرت التجارة في عهد الرشيد وكثرت الاسواق واتسعت رحلات التجار حتى وصلت الصين والبلاد الاوروبية واندونيسيا ، كما ازدهرت الحركة المعمارية فشيدت الحصون والقلاع والقصور الفخمة والمدن المترامية الاطراف .وعني الرشيد اشد العناية بتشييد المدارس في كل مناطق الدولة العباسية وحث على طلب العلم واجرى الجرايات على المدرسين للقيام بهذه المهمة . وكانت الدولة الاسلامية الى جانب المسلمين تضم ايضا كثيرا من اليهود والنصارى وقد روت كتب التاريخ ان الرشيد كان شديد الوطأة عليهم فقد الزمهم بنوع من اللباس يخالفون به المسلمين وامر بهدم الكنائس التي بنيت بعد الفتح الاسلامي والتي لم يسترخص اصحابها في بنائها ، ورغم ذلك فقد كان لهم قدر كبير من الحرية الدينية فلم يشهد ان تم مؤاخذة فرد منهم على ممارسة طقوسه الدينية او التضييق عليه في ما يختاره على مستوى العقيدة بل عملت الدولة على دفع كلفة ترجمة الانجيل والتوراة وتوفيرها الى من يطلبها . يتبع