يظهر أنّ الأغالبة نجحوا جزئيّا في سياستهم تجاه مدينة تونس، على أساس انّه لم يظهر بها إلّا عدد محدود من الثّورات بعد تاريخ 209/824: فقد ظهرت ثورة بمدينة تونس سنة 280/893 في عهد إبراهيم الثّاني، انتهت بدخول المدينة بالسّيف من قبل ميمون الحبشي. ثمّ أَمَر إبراهيم الثّاني في السّنة المواليّة ميمونا بالعودة إلى تونس «فيقتل بها جماعة من بني تميم وغيرهم فقُتلوا وصُلبوا على بابها». على أنّ هذه الثّورة تدخل في إطار ثورة عامّة شملت عددا من مناطق إفريقيّة، لاسيّما جزيرة شريك (الوطن القبلي) والأربس وباجة وقمّودة؛ وهي تعود إلى رغبة الأمير في «أخذ عبيدهم وخيلهم». ويبدو أنّ العقوبة الّتي سُلّطت على أهل تونس كانت الأعنف والأكثر دمويّة، ربّما لأنّهم وجّهوا شكوى إلى الخليفة العبّاسي المعتضد (279289/892902) بهذا الأمير. ألا يمكن الرّبط بين هذا العنف وقرار هذا الأمير الانتقال إلى تونس للإقامة بها ابتداء من 281/894 ؟ ربط روبار برنشفيك انتقال ذلك الأمير إلى تونس بتصوّر هذا الأخير أنّه سيقهرها. يمكن أن نضع أيضا هذا العنف ضمن حملة تطهيريّة لتونس من العناصر المتسبّبة في الثّورات، حتّى تكون هذه المدينة مؤهّلة لإقامة هذا الأمير. وبذلك انتقل مقرّ عاصمة إفريقيّة من القيروان، وبصفة أدقّ من رقّادة إلى مدينة تونس. لكن إقامة إبراهيم الثّاني بهذه المدينة كانت وقتيّة، إذ أنّه ما لبث أن عاد إلى رقّادة سنة 283/896. ألم يتّخذ من هذه المدينة مقرّا لِلَهْوه لاسيّما أنّه بنى بها قصورا وسط بساتين ؟ هذا الافتراض تفنّده عودة إبراهيم الثّاني إلى تونس، ومواصلة عبد الله الثّاني (289290/902903) الإقامة بها حيث قُتل سنة 290/903، وكذلك زيادة الله الثّالث (290 297/902909)، ممّا يسمح لنا بالقول إنّ انتقال الأغالبة إلى هذه المدينة لم ينتج عن نزوة بدت لإبراهيم الثّاني، قصد اللهو، بل ربّما أتى لأسباب موضوعيّة نجهلها. هل هذا يعني أنّ مدينة تونس استعادت في هذه الظّروف ما كانت فقدته خلال العهد الأغلبي إلى حدّ سنة 281/894 ؟ وبعبارة أخرى، هل أنّ سياسة الأغالبة الّتي تسعى إلى سنة 281/894، إلى تهميش مدينة تونس قد فشلت، بما أنّ هذه المدينة تحوّلت إلى عاصمة لإفريقيّة ؟ لا نعتقد ذلك، بل يظهر أنّ التّراجع الّذي عرفته المدينة على المستوى العسكري في العهد الأغلبي قد تواصل. وإن مثّل آخرُ العهد الأغلبي فترة زاهيّة بالنّسبة إلى مدينة تونس، فهو يُعتبر حقبة زمنيّة استثنائيّة. وبذلك يمكن القول إنّ الأغالبة قد نجحوا في تهميش مدينة تونس عسكريّا. يتبع