تزخر مدينة القيروان بالمواقع الأثرية التاريخية التي تقف شامخة شاهدة على عراقة هذا الحصن الكبير ومن بين الدّلالات الحضارية في أرض الأغالبة متحف فنون الحضارة العربية الاسلامية برقادة الذي شهد تهيئة جناح ثان يضّم قاعات للأخشاب وشواهد القبور. تعد رقادة بعد القيروانالمدينة الثانية التي اتخذها الأمراء مقرّا لهم، وتقع على بعد 10 كلم من جنوبها الشرقيّ. أمّا اليوم، فلم تبق منها الاّ آثار متفاوتة الحفظ، تمّ ادماجها بمنتزه يمسح حوالي 20 هكتارا، شيّد فيه في الستينات قصر رئاسيّ، حوّل فيما بعد الى متحف ومركز للبحوث المختصّة في الحضارة الاسلامية بتونس. خصصت قاعة المدخل للجامع الكبير بالقيروان، حيث يعرض نموذج خشبيّ رائع أنجز بمقياس 50/1، مع مقطع على مستوى المئذنة والصحن المحوريّ يتيح للزائر اكتشاف مختلف الخصائص المعمارية، وهوما لا تسمح به زيارة عابرة. وقبالة هذا النموذج توجد نسخة مصغّرة من محراب هذا الجامع أيضا. تحف فنية اسلامية وتلي هذه القاعة قاعة الخزف التي تعرض فيها مجموعة هامّة من الأواني الفخّارية تعود الى العهود الأغلبيّة (القرن التاسع) والفاطميّة (القرن العاشر) والمتأتّية أساسا من موقعي رقّادة وصبرة (قرب القيروان). ثمّ تأتي قاعة النقود وفيها مجموعة هامّة جدّا من النقود التي تصوّر تاريخ افريقيّة الاقتصادي على مدى أكثر من ستّة قرون. أمّا أجمل قاعة في المتحف فهي المسمّاة قاعة القبّة والتي تجلب انتباه الزائرين بدقّة زخارفها وتنميق زجاجيّاتها واشرافها على المنتزه. وفي هذه القاعة تعرض قطع ثمينة من البلّور والرصاص والبرنز. وتحتوي أخيرا قاعة المصاحف القرآنية على صحف من القرآن الكريم على الرقّ تتميز باختلاف أشكالها وأناقة خطوطها وتنوّع أساليبها وثراء منمنماتها، ممّا يجعل من هذه المجموعة كنزا لا يقدّر بثمن. كما يلاحظ الزائر لهذا المتحف فضاء خاصّا بحفريات صبرة المنصورية عاصمة الفاطميين الى جانب احتفاظه بلفيف نادر من المخطوطات والنقود الاسلامية التي وقع سكّها بافريقية فضلا عن مجموعة من الأواني الفخارية التي تعود بالذاكرة الى العهدين الأغلبي والفاطمي، وأدوات الطب والصيدلة والتجميل التي تأتي كلها لتؤكد أنّ القيروان انفتحت على كل الميادين وتشوفت على مختلف العلوم وارتشفت من معين سجلات متباينة ومتنوعة دون ان تنسى أنها مفترق لكل هذه الدعائم. وتعترض الزائر لأروقة متحف فنون الحضارة العربية الاسلامية برقادة نماذج عدّة من الخشب ونسخة مصغرة من محراب جامع عقبة بن نافع. وقد حرص المشرفون على هذا المعرض على تطعيمه بقطع ثمينة من البلّور والرّصاص والبرونز على غرار الفانوس الكبير للأمير المعزّ بن باديس المنتمي الى الأسرة الفاطمية الزيرية. ويحفل المعرض بمصاحف قرآنية منسوخة على الرّق وتسافير قديمة منها غلاف قرآن مجلّد يعود تاريخه الى بداية القرن العاشر للميلاد وقع العثور عليه في الجامع الكبير في القيروان وكذلك ورقة قرآن خطّت عليها سورة الفاتحة. تاريخ المدينة يتفق جميع المؤرخين على أن اسم رقادة مشتق من الرقاد، المواضع ويذكرون أن ابراهيم الأغلبي مرض بالأرق، فنصحه طبيبه أن يرتاد المواضع علّه ينام، فنام في موضعها فسميت رقادة. وبعد ما يزيد على ألف عام من خراب رقادة كشفت الحفريات الأثرية قصرا من تلك القصور التي ذكرنا بعضها، وهو هيكل بنائي مربع الشكل تبلغ مساحته حوالي عشرة آلاف متر مربّع، يحيط بها سور خارجي تدعمه أبراج نصف دائرية يشتمل على 160 غرفة، عدا الممرّات والدهاليز، وله مدخل وحيد يتجه اتجاه القبلة، يمثل طرازين معماريين وعدّة مراحل بنائية.