في السابع من شهر أكتوبر عام 1959، كانت مجموعة من الشباب واقفة على رصيف شارع الرشيد الموازي لاتجاه السيارات الذاهبة ناحية الباب الشرقي كانت عيونهم كلها مركزة على السيارات التي تعبر الطريق، وأيديهم فوق الزناد. وكان المرء يستطيع أن يميز بينهم ذلك الشاب النحيل الذي يضع على أكتافه «جاكيتة»، طويلة تبدو وكأنها ليست له وهي بالفعل لم تكن له كانت «جاكيتة» خاله، استعارها من دولاب ملابسه دون أن يدري إن كان طولها الظاهر يسمح، بتغطية «الغدارة»( البندقية الرشاشة)، التي كان يحملها إلى جانبه وكانت مهمة هذا الشاب في تنفيذ الخطة أن يحمي رفاقه الذين سوف يطلقون النار على سيارة «الزعيم» وأن يغطي انسحابهم بعد تأدية واجبهم ويكون هو آخر من ينسحب. غير أنه عندما وجد نفسه وجها لوجه أمام الدكتاتور لم يتمالك نفسه نسي التعليمات كلها. أطلق عليه الرصاص وانهمرت النار على السيارة من الغدارات والرشاشات الأخرى. كانوا خمسة ولكن اثنين منهما تعطلت غدارتيْهما فبقيت الأخريات تلقي على سيارة الزعيم الأوحد كل عنف الجماهير المكبوت في صدرها. هذه باسم شهداء الموصل وهذه باسم شهداء البصرة وهذه باسم شهداء كركوك وهذه باسم شهداء بغداد وهذه باسم كل الشيوخ والنساء والأطفال الذين ماتوا موتا مجانيا فداء لجنون السلطة. وهذه حتى تختفي أفاعي الحبال المسعورة التي تزحف في غابة لا يمكن أن يعيش فيها الإنسان. أما هذه فمن أجل بعث هذه الأمة من أجل حريتها ووحدتها وغدها الأفضل، من أجل الدفاع عن أحلام البسطاء بحياة ليس فيها فقر ولا خوف ولا مذلة. هل مات؟ لقد نفذ الرصاص من غدارات الشباب ولا بد أن يكون قد لقي حتفه. انسحبت المجموعة وانسحب من ورائها صدام وإذا به يسمع طلقات رصاص تطاردهم كان واحدا من شرطة المرور يحتمي بسيارة ويرمي برصاصه عليهم. التفت إليه وقبل أن يحاول إطلاق الرصاص عليه، رماه الشرطي واختفى سريعا خلف السيارة أصابته الطلقة في رجله ولكنه لم يشعر بها لحظتها كان يريد فقط آنذاك أن يؤمن انسحاب المجموعة إلى سيارة تنتظرهم بالشارع الفرعي الذي يقطع عرضيا شارع الرشيد والكفاح، وكان أحد أفراد المجموعة قد أصيب وصدره ينزف ولا يكاد يقوى على السير. عندما وصلوا إلى المكان الذي توجد به السيارة التي يفترض أن تنتظرهم. وجدوا السيارة ولم يجدوا السائق ووقفوا ينتظرون لحظات أطول من الدهر وبينهم سمير النجم صدره ينزف. نظر صدام حسين إلى كريم الشيخلي وقال له : لن ننتظر هنا أكثر من هذا الوقت لابد أن نأخذ سيارة بالقوة من هذه السيارات الموجودة في الطريق وبالفعل سحب غدارته على أحد السائقين وتوقف الرجل مذعورا وقبل أن يصعدوا إلى سيارته وصل علي حسون قائد سيارتهم وضعوا سمير النجم داخل السيارة بسرعة ، وصعد كريم الشيخلي إلى المقعد الأمامي واتخذ صدام مكانه خلف السائق. لم يكن يعرف إلى أين سوف يذهبون. كان على حسون يعرف مكان (الوكر) الذي سوف يختبئون فيه حسب تعليمات القيادة، غير أن سمير قال وهو في قمة الألم : إنني أموت يجب أن تحملوني إلى المستشفى بدا أن رفاقه يميلون إلى الخضوع لرأيه والسائق نفسه أخذ ينحرف بسيارته عن الطريق الذي كان يسير فيه وكأنه وافق هو أيضا على الاتجاه إلى المستشفى. فجأة تنبه صدام إلى وجهتهم قال :إلى أين؟ قال علي حسون :إلى المستشفى. لكزه صدام بيده من خلف مقعده وقال له :سر في طريقك إلى الوكر وإلا فاني سوف أطلق عليه النار من الخلف. يتبع