لا يراهن محسن مرزوق على طرف إلا خسره. سياحة التحالفات عند حركته حطت الرحال مؤخرا على أبواب شق الحمامات من نداء تونس فهل تكون النهاية على يد طوبال؟ تونس (الشروق) من معاداة النهضة إلى التوافق معها إلى الانقلاب عليها إلا العودة إليها إلى التقرب من حركة تحيا تونس إلى البحث عن إحياء مشروع النداء إلى التوسع على أبناء العائلة الوسطية التقدمية إلى العودة إلى النداء ولو شق واحد منه… لا يكاد مرزوق يفتح بابا حتى يفاجأ بانغلاقه. خلال سبع سنوات تعرفنا إلى شخصية محسن مرزوق الذي كان يجوب البلاد في التعريف ببرنامج «والده الروحي» الباجي قايد السبسي، ثم اكتشفنا محسن «مزروب» المتعطش إلى الحكم والزعامة بأي ثمن، ثم شخصية محسن المستعد للتضحية بطموحاته الشخصية في سبيل تقوية حركته ثم وقفنا في النهاية على شخصية محسن "منحوس" الذي يعانده الحظ في كل شيء حتى إن هذا الحظ العاثر انتهى به إلى التحالف مع شق الحمامات من نداء تونس قبل أن يتلقى زعيمه طوبال طعنة فيديو «الكاباريه» الذي قد يعصف بمستقبله السياسي ومستقبل من تقربوا منه. قبل أن نخوض في مظاهر النحس ومخلفاته، علينا أن نبحث عن السبب: تغيير البوصلة هو رجل سياسة بامتياز، يملك عكس أغلبية السياسيين قدرة كبيرة على الإقناع والمراوغة والتخطيط والدهاء لهذا قرّبه الباجي قايد السبسي في بداية الترويج لمشروعه الندائي الحداثي وجعله قائدا لحملته الانتخابية ثم مستشارا برتبة وزير ثم أمينا عاما لحزب النداء الأم فكان من الطبيعي أن يدافع عن خيارات «أبيه الروحي» وأن يجعل للتوافق مع حركة النهضة وإشراكها في الحكومة الأولى برئاسة الصيد ألف سبب وألف مبرر. العقبة الأولى التي اعترضت مرزوق كان عنوانها حافظ قايد السبسي وبما أنه كان في عجلة من أمره لتحقيق طموحاته السياسية فقد تصدى لحافظ في مرحلة أولى ثم انشق عنه في مرحلة ثانية ليؤسس حركة مشروع تونس ويحمل لواء خط عليه بالبنط الغليظ: إحياء مشروع النداء والقطيعة مع النهضة. السياسي الجيد لا يحرق المراحل ولا يستعجل الوصول إلى أهدافه، هذا ما تفطن إليه محسن «مزروب» بعد النتائج الكارثية التي حصدها السنة الماضية من الانتخابات البلدية فكان لا بد من تغيير البوصلة نحو البحث عن التحالفات بالتوازي مع ترسيخ قدمي حركته في الحكم: التحالف بأي ثمن حركة مشروع تونس شريك للنهضة في حكومة الشاهد ومحسن مرزوق يتقرب من خصومه ثانية فكل شيء يهون من أجل الحكم والأهم أنه بات مستعدا للتوافق مع النهضة إذا أعادت انتخابات 2019 التشريعة سيناريو 2014. هذا ما بشر به السنة الماضية قبل ان يعدل بوصلته مرة أخرى ببروز كتلة الائتلاف الوطني في البرلمان وعودة الأمل بإمكانية إحياء مشروع النداء فكان التقرب من حركة تحيا تونس قبل الإعلان رسميا عن ولادتها وفتح الباب على نداء تونس بقيادة حافظ (قبل انشطار الحزب) مع تنشيط سياحة التحالفات يمنة ويسرة داخل العائلة الوسطية التقدمية غير الندائية مثل حزبي المبادرة الدستورية الديمقراطية والبديل التونسي قبل ان يأتيه عرض يسيل اللعاب من سفيان طوبال زعيم شق الحمامات الذي انشطر عما تبقى من حزب النداء. في هذه السياحة اقتنع مرزوق باستحالة تقديم مصالحه الشخصية على مصالح حزبه فقرر التضحية بطموحاته في الزعامة والقيادة والريادة حتى يغري من يطلب ودهم للتحالف لكنه لا يكاد يفتح بابا حتى يجده قد انغلق: من تعثر إلى آخر المفاوضات تعثرت مع حزبي البديل والمبادرة فلم يبق أمام مرزوق المتعطش للتحالف مهما كان الثمن غير التمسك بما بقي له من خيارات وهي حركة تحيا تونس ونداء تونس (شق طوبال). أما الحركة الأولى فقد أظهرت مسعاها في ابتلاع كل من يقترب منها قبل أن تتعلل علنيا بالتريث ريثما تنتهي من تركيز الهيئة المركزية. وأما الثانية فقد تجاوبت معه في القيام بخطوات ملموسة في طريق التحالف أهمها الشروع في توحيد كتلتي الحزب البرلمانيتين لكن هذا التحالف أصبح مهددا منذ تم نشر فيديو «الكاباريه» الذي يسيء حتما لطوبال ومن المفترض أن يلحق الأذى بشقه الندائي وكل من يقترب منه ذلك أنه أثار استياء الرأي العام وخاصة منه فئة الناخبين. هذا الفيديو قد لا يشجع حركة يحيا تونس على إحياء المفاوضات مع شق حافظ ما يعني مفاضلة حركة المشروع بين خيارات ثلاثة أحلاها مر. أخطاء متتالية يمكن للحركة أن تمضي قدما في الحالف مع شق طوبال بما يحمله من مخاطر، وإما أن تعود إلى التفاوض مع حركة تحيا تونس والاستسلام لشروطها التي قد تسلب حركة المشروع هويتها وخصوصياتها وما تبقى لقيادييها من طموحات، وإما أن تنغلق على نفسها وتستعد لخوض الانتخابات بمفردها. هذا ليس وقت مرزوق، هي نتيجة حتمية لسببين مترابطين أولهما حظه العاثر وثانيهما أخطاؤه المتتالية فرئيس حركة المشروع يملك نظريا كل مقومات السياسي الناجح لكنه أضر بنفسه عبر طموحه المبالغ فيه ثم عجلته وتلهفه ثم اضطرابه ثم سياحته التحالفية غير المدروسة وارتماؤه المتهور صوب من يفتح له بابا للتحالف… الغريب أن الأخطاء تتوالى في زمن آلت فيه الأمانة العامة في الحركة لداهية يوصف بالتعقل والاتزان اسمه حسونة الناصفي. مراهنة خاسرة على الباجي كل مراهانات مرزوق خاسرة بما فيها مراهنته على الباجي قايد السبسي، فرغم انشقاقه عن النداء الأم وخوضه حربا علنية ضد حافظ قايد السبسي فإنه أبقى حبل الود مع الباجي ممدودا بما ساعد على تواصل اللقاءات والزيارات والمحادثات. هدف مرزوق كان واضحا وهو عدم خسارة شخصية مؤثرة وقوية في قيمة الباجي لكن مؤسس النداء خذله في النهاية بضعفه، فحافظ استنزف قوة أبيه حتى أوصله إلى أرذل أيامه سياسيا. ما يهمنا أنّ مرزوق لم يستفد من الباجي كما لم يستفد إلى اليوم من الغنوشي ولا من أي شخصية راهن عليها وقد يلقى النتيجة ذاتها من مراهنته على طوبال أو الشاهد مهما قدم من تضحيات.