إذا اعتمدنا على ألقاب الحكّام الخراسانيين، نلاحظ أنّهم كانوا في نظر ابن عذاري تابعين للدّولة الحمّاديّة، إذ أنّه نعتهم بعبارة «الوالي». لكن وبالعودة إلى النّقائش القبريّة، نلاحظ استعمال ألقاب «أمير»، و»شيخ»، وحتّى «سلطان» بالنّسبة إلى عبد العزيز بن خراسان، وبالنّظر إلى الدّينار الذّهبي الّذي ضُرب في عهد عبد الحقّ بين 454/1062 و481/1088، نستنتج حرصا على تأكيد الاستقلاليّة. وهي كما نلاحظ معطيات متناقضة تعبّر عن تناقض وضع بني خراسان أنفسهم. فمدينتهم تبدو أحيانا تابعة للحمّاديين خاصّة بين السّنوات 522/1128 543/1148، وأحيانا أخرى مستقلّة. لكن، وبصفة عامّة، يمكن اعتبار هذه المدينة إمارة مستقلّة يستمدّ حكّامُها شرعيّتهم من الدّولة الحمّاديّة، وهو وضع لم يُرضِ الزّيريين بالمهديّة، إذ أنّه يعني خروج مدينة تونس عن سلطتهم. ونتيجة لذلك، عمد الزّيريّون إلى محاصرة هذه المدينة في مناسبات عديدة، من ذلك مثلا الحصار الّذي ضربه عليها تميم بن المعزّ (454501/10621107)، سنة 458/1065، والّذي دام أربعة عشر شهرا، فانتهى بصلح لفائدة تميم. ولم يقتصر الزّيريّون على ذلك، بل إنّهم عمدوا في بعض الحالات إلى التّحالف مع بني هلال ضدّها. نستنتج من هذا التّحالف الزّيري – الهلالي أنّ بني هلال كانوا كذلك يناصبون مدينة تونس العداء. فقد رأينا كيف أنّهم توصّلوا إلى احتلال هذه المدينة سنة 446/1054. إلّا أنّ عبد الحقّ بن خراسان تمكّن في الأخير من مصالحتهم مقابل «إتاوة معلومة». على أنّ هذا الصّلح لم يكن متواصلا، بل إنّه بقي رهينا لتطوّر المعطيات السّياسيّة بإفريقيّة. فهو يتجدّد خاصّة عند حضور خطر خارجي مثل التّوسّع الموحّدي، أو التّوسّع المسيحي النّورماني. سيطر النّورمان انطلاقا من صقلّيّة، وابتداء من القرن 6ه/12 م على جلّ مدن سواحل إفريقيّة، وفي إطارها المهديّة الّتي سقطت سنة 543/1148. فهل شملت هذه السّيطرة النّورمانيّة مدينة تونس ؟ سقوط المهديّة بين أيدي النّورمان سنة 543/1148، بعث الرّعب في قلوب أهل مدينة تونس، إذ أنّه يعني أنّ الغارة النّورمانيّة المقبلة ستكون ضدّ مدينتهم لاسيّما أنّه لم يبق خارجا عن النّفوذ النّورماني من مدن سواحل إفريقيّة، إلّا قليبية ومدينة تونس، لهذا السّبب بدأ السّكّان في حراسة مدينتهم بأنفسهم، وفي تنظيم المقاومة. فقد أخذوا «في الاستعداد والأُهبة والوقوف بجماعاتهم، وقتا بعد وقت، عند باب البحر، بمحضر واليهم مَعَدّ بن المنصور، وهو في الدّيوان الّذي على الباب». إلّا أنّه يظهر أنّ موقع مدينة تونس الجّيّد، والتّنظيم السّياسي المحكم الّذي حظيت به، في عهد بني خراسان، جعلا صاحب صقلّيّة يمتنع عن المقامرة باحتلال هذه المدينة. لكن هل منع هذان العاملان الموحّدين من إخضاعها ؟ . يتبع