وهو الطّور الّذي تخلّصت فيه مدينة تونس من سيطرة القيروان، كي تبرز في مرحلة أولى على شكل إمارة «مستقلّة» في عهد بني خراسان ومتصارعة مع الزّيريين بالمهديّة وغيرهم، وكي تصبح في مرحلة ثانيّة عاصمة جهويّة لإفريقيّة في العهد الموحّدي. مدينة تونس في عهد بني خراسان (451554/10591159) إن كان الموضع السّاحلي لمدينة تونس مساعدا لها كي لا تتضرّر كثيرا من فترة الاضطراب الّتي عاشتها إفريقيّة منذ منتصف القرن 5ه/11م إلى منتصف القرن 6ه/12م، فإنّ هذا لم يمنع الأعراب من محاصرتها، واحتلالها سنة 446/1054 على يدي القائد الرّياحي عابد بن أبي الغيث . ويمثّل هذا الاحتلال سببا أوّلا لطلب سكّان المدينة الحماية من الصّنهاجيين من بني حمّاد، حكّام قلعة بني حمّاد. أمّا السّبب الثّاني، فهو يتعلّق بضعف الزّيريين، وتقلّص نفوذهم، ممّا جعل الحمّاديين بقيادة النّاصر بن علّناس (454481/10621088) يرشّحون أنفسهم لخلافة هؤلاء في إفريقيّة. لهذين السّببين، بعث أهل مدينة تونس سنة 451/1059 إلى صاحب القلعة وفدا من الأشياخ طالبين الحماية، «فاستدعوا منه النّظر إلى مدينتهم». كما عبّروا له عن رغبتهم في أن يعيّن عليهم واليّا، فأظهر النّاصر شيئا من التمنّع، طالبا منهم تعيين شيخ من بينهم؛ وفي الأخير عيّن عليهم عبد الحقّ بن خراسان (451488/10591095). والرّاجح أنّ عبد الحقّ هذا هو «من قبائل صنهاجة»، أي أنّه من أفراد الأسرة الحاكمة بقلعة بني حمّاد. والمهمّ أنّ عبد الحقّ بن خراسان هو غريب عن المدينة، أي أنّه عُيّن على ولايتها دون أن تكون له سابق معرفة بها، وربّما لهذا السّبب لم يتوصّل إلى إدارة شؤونها بصفة فرديّة، إذ استغلّ الشّيوخ نقطة الضّعف هذه، ليجعلوا منه مساعدا لهم في ذلك فحسب، إذ يقول ابن خلدون فيه: «فقام بأمرهم وشاركهم في أمرهم»، أي أنّ جلّ السّلطات كانت بيد شيوخ المدينة، هؤلاء الشّيوخ الّذين قاموا بدور هامّ في حياة مدينة تونس بصفة عامّة. وربّما اعتمادا على هذا، وَصَفَ جون بونسي النّظام القائم بالمدينة في تلك الفترة «بالجّمهوريّة البورجوازيّة». أمّا سليمان مصطفى زبيس، فقد ذهب إلى حدّ مقارنة هذا النّظام في مرحلة أولى بالجمهوريّات الإيطاليّة. على أنّ دور هذا المجلس عرف نوعا من التّراجع منذ عهد الأمير الخراساني الثّالث أحمد بن عبد العزيز (500522/11061128) الّذي «نزع إلى التّخلّق بسير الملك والخروج عن المشيخة، فاستبدّ بتونس». وبذلك يمكن أن نقول إنّ نظام الحكم أصبح في عهد أحمد بن عبد العزيز نوعا من الملكيّة الدّستوريّة، بعد أن كان يشبه الجمهوريّة البورجوازيّة، خاصّة وأنّ الوصول إلى الحكم يتمّ في إطار عائلة واحدة، أي عن طريق الوراثة. يتبع