مهما كانت مدينة تونس هامّة، فقد ظلّت تابعة للقيروان إلى منتصف القرن 5ه/11م، فما هي أهمّ مظاهر هذه التّبعيّة ؟ لقد لاحظنا مظهرين لهذه التّبعيّة: الأوّل يتمثّل في دفع الجباية لفائدة المركز، والثّاني يهمّ طريقة تعيين والي مدينة تونس، حيث يُعيّنه والي إفريقيّة أو يعزله دون استشارة سكّان المدينة. وهو أمر معمول به بالنّسبة إلى كلّ الولايات، لكنّ الأدهى من ذلك، هو عدم استجابة والي إفريقيّة إلى احتجاجات سكّان المدينة في صورة سوء تصرّف عامله عليها. فقد كان مثلا عامل تونس المغيرة بن بشر بن روح «غِرًّا لا تجربة له بالأمور»، فشكاه الجند إلى الفضل بن روح والي إفريقيّة (177179/793795): «وكتبوا إليه كتابا يخبرونه بسوء صنيع المغيرة، وقبح سيرته فيهم، فتثاقل الفضل عن جوابهم». فما الّذي شجّع المغيرة على هذا التّصرّف ؟ يُجيب الرّقيق القيرواني: لأنّه «وثق أنّ عمّه لا يعزله»؛ أي أنّ المغيرة استغلّ قرابته من عمّه الفضل ليتصرّف بحرّيّة في ولايته. ويبدو أنّ ظاهرة القرابة بين عامل تونس ووالي إفريقيّة كانت ميزة خُصّت بها تونس، لاحظنا ذلك بالنّسبة إلى خمسة عمّال من جملة عشرة تعرّفنا على أسمائهم خلال الفترة الممتدّة بين 116/734 والقرن 4ه/10م. تُعبّر هذه الظّاهرة عن مدى أهمّيّة تونس في نظر والي إفريقيّة، إذ أنّه لا يعيّن عليها إلّا من كان محلّ ثقته. وأفراد الأسرة الحاكمة هم الأوْلى من غيرهم ليكونوا محلّ تلك الثّقة، خاصّة أنّه كان لهذه المدينة آنذاك نشاط عسكري هامّ بالنّسبة إلى إفريقيّة، نعني في عهد الولاة. وفعلا، فإنّ العامل الأشهر الّذي ثار على سيّده انطلاقا من مدينة تونس هو تمّام بن تميم التّميمي سنة 183/799، وهو لا يمتّ بصلة قرابة إلى والي إفريقيّة محمّد بن مقاتل العكّي. أمّا المظهر الثّاني لتبعيّة تونس للقيروان، فهو يتمثّل في دفع الضّرائب لها. فموضع القيروان في منطقة شبه جافّة، وكثرة ثورات البربر والخوارج في إفريقيّة جعلت ولاة هذه الأخيرة في حاجة ماسّة إلى مردود هامّ من الجباية. تُؤخذ هذه الجباية من الولايات التّابعة لهم، وفي إطارها نذكر ما سمّاه البكري: «ساحل القيروان» المتكوّن من «سوسة والمهديّة وصفاقس وتونس». وتُساهم كلّ هذه المنطقة بثمانين ألف مثقال لفائدة بيت المال، إلى جانب جباية «الدّخل والخرج»، وهي كما يظهر ضرائب متنوّعة وثقيلة فيما يبدو. واعتمادا على هذه المعطيات، وهي دفع مدينة تونس ضرائب لفائدة المركز، وتعيين العمّال عليها دون استشارة أهلها، يمكن أن نستنتج أنّ المدينة الإسلاميّة بصفة عامّة كانت في تبعيّة تامّة تجاه المركز. هل قبلت مدينة تونس هذه التبعيّة ؟ . يتبع