لم يدُم حُكم الفاطميين طويلا بإفريقيّة، إذ أنّهم ما لبثوا أن رحلوا إلى مصر سنة 362/973 في عهد المعز لدين الله الفاطمي، مخلّفين وراءهم الصّنهاجيين بصفة ولاة تابعين لهم بإفريقيّة. كيف تصرّف هؤلاء الولاة مع مدينة تونس ؟ لقد عُرِف بلّكين بن زيري (362373/973984)، وهو أوّل وال صنهاجي بإفريقيّة، بخضوعه لسيّده المعزّ لدين الله الفاطمي، وبسعيه إلى تنفيذ وصيّته. ومن بين بنود هذه الوصيّة، نذكر تلك الّتي تتلخّص في عدم رفع السّيف عن أهل الباديّة، وفي حسن معاملة أهل المدن. وتوحي هذه البنود بتجمّع أتباع الفاطميين، وهم الشّيعة أساسا، بالمدن، وانعدامهم بالأرياف. وبالتّالي كان من واجب الصّنهاجيين أن يُحسنوا لهؤلاء الشّيعة. فهل كانت مدينة تونس مركزا لتجمّع هؤلاء ؟ نكتفي بالقول إنّ هذه المدينة اشتهرت بعداوتها للمذهب الشّيعي، ممّا يجعلنا نعتقد أنّ محتوى هذه الوصيّة لا يهمّ مدينة تونس. وبذلك واعتمادا على هذا العامل الأوّل، فإنّه يمكن أن نستنتج أنّ الصّنهاجيين لم يولوا هذه المدينة اهتماما كبيرا. أمّا العامل الثّاني لذلك، فهو عسكري، إذ أنّ الدّولة الصّنهاجيّة اعتمدت على أفراد قبيلة صنهاجة، عند تكوين جيشها. إلى جانب ذلك، فإنّ هذا الجيش أصبح تقريبا برّيّا بحتا، إذ أنّ الفاطميين حَرَمُوا الصّنهاجيين من جزيرة صقلّيّة، كما حرموهم من الأسطول الحربي، وهي تطوّرات أثّرت بصفة مباشرة وسلبيّة في مدينة تونس، نظرا لاعتماد نشاطها العسكري على البحر. لكن يظهر أنّ زحف بني هلال على إفريقيّة قد أدخل تغييرات على أوضاع مدينة تونس. لقد أعلن المعزّ بن باديس (406454/10161062) استقلاله عن الفاطميين سنة 441/1049 مستغلّا في ذلك ضعف الدّولة الفاطميّة بمصر. ونظرا لعجز الفاطميين عن إرسال قوة عسكريّة لاسترجاع إفريقيّة، سرّح الخليفة الفاطمي المستنصر قبائل بني هلال على إفريقيّة: «وسارت قبائل ذياب وعوف وزغبة وجميع بطون هلال لا يمرّون بشيء إلّا أتوا عليه، حتّى وصلوا إلى إفريقيّة سنة ثلاثة وأربعين وأربعمائة». فَتَجَنَّدَ لهم المعز بن باديس وحاربهم بضواحي قابس في معركة حيدران سنة 443/1052، إلّا أنّه انهزم، فتراجع نحو القيروان، ومنها إلى المهديّة سنة 448/1056. وبذلك دخلت إفريقيّة في حالة فوضى، بما أنّ الدّولة الزّيريّة فقدت سيطرتها عليها. فأصبحت البلاد منقسمة إلى إمارات مستقلّة عن بعضها ومتناحرة فيما بينها. وعلى سبيل المثال، نذكر منها إمارة بني الرّند بقفصة، وإمارة بني مليل بصفاقس، وأهمّها إمارة بني خراسان بمدينة تونس. بعد صراع دائب، ومقاومة عنيفة، انتصرت تونس على غريمتها القيروان، إذ أنّ هذه الأخيرة أصبحت مرتعا للأعراب. إلّا أنّ حُكّام القيروان لم يستسلموا كلّيّا مثلها، بل جمعوا شتاتهم واحتموا بالمهديّة. وبذلك بدأت مدينة تونس صفحة جديدة من تاريخها الحافل، كان من مظاهرها الصّراع مع الزّيريين بالمهديّة، ومع بني هلال أيضا. يتبع