احتلّ عبد المؤمن بن علي مرّاكش عاصمة المرابطين سنة 541/1147، ومنها جهّز حملة على المغرب الأوسط، مطيحا بعاصمة الدّولة الحمّاديّة بجاية سنة 547/1153، ومُوَلِّيا عليها ابنه عبد الله. وسعيا وراء إخضاع إفريقيّة وعلى رأسها مدينة تونس، أمر عبد المؤمن ابنه هذا بالعمل على عزل مدينة تونس، وذلك بمنع المرافق الّتي تصل إليها عن طريق بجاية. ثمّ وفي مرحلة ثانيّة، أمره بالتّحرّك إليها سنة 552/1157. وإثر محاصرته لها، خرج إليه أهل المدينة «بخيل ضخمة»، ومزّقوا جيشه. هذا الانتصار الّذي نفسّره بالتّعاون الّذي وقع بين أهل تونس ومحرز بن زياد صاحب المعلّقة، وكذلك بقوّة الجيش البرّي الّذي تمتلكه هذه المدينة. ونتيجة لذلك، ورغبة منه في اغتنام التّراجع النّسبي للنّفوذ النّورماني بإفريقيّة، جهّز عبد المؤمن جيشا عظيما يعُدُّ مائة ألف جندي، واتّجه به إلى إفريقيّة سنة 554/1159 واحتلّ الأربس وباجة. هذه المدينة الّتي بعث منها عبد المؤمن لأهل مدينة تونس «بالتّأمين والعفو» في صورة استسلامهم، لكنّهم امتنعوا عن ذلك، ممّا جعله يحاصر المدينة خلال ثلاثة أيّام، برّا وبحرا ابتداء من 10 جمادى 554. «وعاين أهل المدينة أمرا عظيما، وأيقنوا بالهلاك». فبعثوا إلى عبد المؤمن اثني عشر شيخا، قصد طلب السّلم منه، فقبل ذلك مانعا الجيش الموحّدي من دخول المدينة، مقابل شروط أهمّها «خروج عليّ بن أحمد الخراساني من تونس، ومقاسمة الموحّدين لأهل مدينة تونس في أموالهم، ومنازلهم». وبذلك وقع القضاء على حكم بني خراسان بمدينة تونس سنة 554/1159، كي تصبح تابعة للموحّدين. لكن بأيّة صفة أصبحت هذه المدينة تابعة للموحّدين ؟ لقد برهنت مدينة تونس خلال التّوسّع الموحّدي على قدرة دفاعيّة خارقة، بفضل التّنظيم الّذي منحه إيّاها أمراؤها بنو خراسان، وبفضل أسوارها المنيعة، وكذلك بفضل موضعها الممتاز، ممّا جعل عبد المؤمن يرشّحها كي تصبح عاصمة جهويّة لإفريقيّة. لقد تحسّن إذن من النّاحيّة السّياسيّة وضعُ مدينة تونس في العهد الموحّدي، إذ أنّها أصبحت عاصمة لإفريقيّة. أمّا عسكريّا، فقد ازدادت مناعتها بفضل القصبة الّتي بناها عبد المؤمن بن علي سنة 555/1160. لكن كيف كانت علاقة هذه العاصمة الجّهويّة بالمركز الجّديد مرّاكش ؟ بعد احتلاله لمدينة تونس سنة 554/1159، عيّن عبد المؤمن على رأسها «أبا محمّد عبد السّلام الكومي، ومعه أشياخ من الموحّدين». وقد اهتمّ هؤلاء خاصّة «باستخلاص الأموال من أهل تونس»، وذلك تطبيقا لمحتوى الاتّفاق المُبرم بين أشياخ المدينة والخليفة الموحّدي، كما كوّنوا «هيئة عليا تشرف على الإدارة». وتقوم بنصح الوالي وتوجيهه، كما أنّها تمثّل الجّانب العقدي بالولاية، بصفتهم دعاة للمذهب الموحّدي. يتبع