لا شيء يشي الآن بذهاب المشهد الحزبي قريبا إلى حالة من الاستقرار يُمكن أن تدفع الى وضع التوقعات والاستشرافات الكبرى للمواعيد الانتخابية القادمة. تونس الشروق: المستجدات متسارعة ومتواترة من يوم إلى آخر، وتُعجّ الكواليس بتحركات على أكثر من صعيد وبين أكثر من جهة، تحرّكات شوّهتها المؤامرات الدنيئة وحروب ملفات الفساد، المالي والأخلاقي، والتهديد والوعيد من أكثر من طرف. ريبة وحيرة ما يجري في حياتنا الوطنية، مثيرٌ للحيرة والريبة مكثّف لضبابيّة المشهد العام، إذ تبدو القاطرة وكأنّها دون ربّان أو قائد ماهر قادر على التحكّم في مجريات الأحداث وحمايتها من الانحراف ومزيد التداخل والاضطراب. قد يكون من الوجيه بحسب متابعين للشأن التونسي أن تشهد الساحة السياسية والحزبيّة نقلة مهمة قبل الموعد الانتخابي المنتظر، لأنّ الذهاب الى الانتخابات بالحالة الراهنة قد تكون له تداعيات سلبيَّة، إذ لن يُفضي المشهد الحالي، بما هو عليه من غياب توازن سياسي حقيقي وتعمّق حالة التشتّت وعدم وجود كيانات حزبيّة وازنة، خاصة في أوساط العائلة الديمقراطية الوسطية، لن يُفضي إلاّ الى وضع ربّما أعقد من الراهن. إذ وبحساب تجارب السنوات الفارطة، وبالعودة إلى طبيعة النظام الانتخابي نفسه، فإنّه سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، حصول حزبٍ وحيدٍ على أغلبية 50 زائد 1 التي تمكّنه من تشكيل الحكومة والاضطلاع بمهام الحكم لوحده. فكيف ستتشكّل الأغلبيّة البرلمانية القادمة؟ وكيف ستكون طبيعة المعارضة؟ ومن سيكون قادرًا على استثمار حصاد انتخابي متذرر؟ بل، وقبل ذلك كلّه، من الذي سيضمنُ إجراء الانتخابات في أجواء هادئة وفي مناخ سليم يُرضي الجميع ويدفعهم الى القبول بالنتائج الانتخابيّة لاحقا؟ فالأجواء الحزبيّة ليست على ما يرام، إذ لم تشهد الساحة إلى حدّ اليوم هيكلة واضحة لمختلف البنى الانتخابية الممكنة، بل إن بعضها يشهد تواصل دوامة الانقسام، نداء تونس، أو مخاض التأسيس وصياغة مسارات الاندماج والتوحيد (تحيا تونس) والبعض الآخر بدأت تضربه من الآن لوثة زعامة القائمات التشريعية أو الترشيحات للرئاسيّة. كما أنّ المناخ السياسي عموما بات مُلبّدا بالكثير من الغيوم مع دخول صراع الملفات وحرب الفيديوهات مرحلة متقدّمة فيها الكثير من المخاطر والمخاوف الفعليّة في اتجاه مزيد ارباك الوضع العام وتواصل انخفاض منسوب الثقة بين غالبية الطيف السياسي واستمرار تباعد اللاعبين الكبار (أساسا: السبسي والغنوشي والشاهد والطبوبي) وغياب الشجاعة والإرادة القويّة عنهم لمسك زمام المبادرة من جديد وتأمين الطريق سالكة لانتخابات 2019 وما بعدها أيضا. ضرورة التحرّك العاجل دون حصول ذلك، وسريعا، فإنّ النخبة السياسية تدفع بالتجربة إلى أفق مجهول بالذهاب الى الانتخابات دون أحزاب أو تحالفات أو تكتلات حزبية قوية، ففي ذلك فتح طريق أمام القوى الشعبويّة والمتطرفة أو تشريع للفوضى وتغييب للاستقرار السياسي. الموعد الانتخابي القادم مصيري وهام في مسار الثورة والانتقال الديمقراطي، لذا فهو موعد يحتاج حالة من الوضوح تساعد في الوصول إلى ترتيبات وتفاهمات مسبقة فيها الكثير من الحكمة والتعقل وحماية مبادئ الوحدة الوطنية وقيم العيش المشترك ونبذ كل مظاهر الحقد والكراهية والعنف والشيطنة والإقصاء والوصول بالتجربة الديمقراطية التعددية والسليمة إلى مرحلة الاستقرار النهائي، فهل يستعيد الكبار زمام المبادرة؟ أم سيواصلون الارتهان إلى النوازع الذاتية والمصالح الشخصية الضيّقة والانشداد الى منطق المؤامرات وتصفية الحسابات؟ اندماج وتساؤلات قد يكون مسار الاندماج بين تحيا تونس وحزب المبادرة الدستوريّة، من جهة، ومسار التقارب بين حركة مشروع تونس ونداء الحمامات والبديل التونسي، من جهة أخرى، والذي من المرجّح أن ينتهي إلى اندماج، بداية حلحلة لوضع التأزم الذي تعيشه الكيانات الحزبيّة في اتجاه التجميع وبناء كيانات قوية قادرة على المنافسة الانتخابية وتحقيق التوازن السياسي شرط الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي على السلطة. كما أنّ الدعوة التي وجهتها حركة النهضة من باريس على لسان رئيسها الأستاذ راشد الغنوشي في اتجاه البحث عن العصفور النادر للرهان الانتخابي الرئاسي، هي دعوة لبقية الشركاء والأحزاب لإطلاق التفكير حول مواصفات الرئيس التوافقي، الذي لا يُغضب أحدا ويكون محل رضا محلي واسع وقبول خارجي وإقليمي وصاحب تجربة في الدولة ورابطا بين المنظومة القديمة ومنظومة ما بعد الثورة على قاعدة الديمقراطية والحريّة وخدمة المصلحة العليا للبلاد. فهل تمضي الأحزاب الضعيفة والمشتّتة الى انقاذ نفسها وتفادي صدمات انتخابيّة منتظرة