رغم اعتماد الاقتصاد بإفريقيّة على الفلاحة في العهد الإسلامي، فإنّ التّجارة البرّيّة أصبحت تقوم بدور هامّ في حياة سكّان هذه المنطقة، مرتكزة في ذلك على المدن الكبرى. ويظهر أنّ مدينة تونس اشتهرت بصناعاتها الخزفيّة الّتي أشار إليها ابن حوقل في القرن 4ه/10م: «ويُعمل بها غَضَار (صحفة مُتخذة من الطّين) حسن الصّباغ، وخزف حسن كالعراقي المجلوب». وربّما يعني تشبيهُ هذا الخزف التّونسي بالمنتوج المجلوب من العراق، أنّ إفريقيّة كانت تستورد هذا الأخير من الشّرق. وربّما يصحّ ذلك بالنّسبة إلى القرنين 2 ه/8 م، و 3 ه/9 م. وربّما قلّدت إفريقيّة هذا المنتوج، إذ يُحتملُ أنّ استيراده تراجع في الفترة الفاطميّة، بسبب سوء العلاقات بين الفاطميين والعبّاسيين. وتواصل إنتاج ذلك الخزف بإفريقيّة، فبرعت في ذلك مدينة تونس في القرن 5 ه/11 م، إذ تحدّث البكري عن آنيّة الماء الخزفيّة «الرّيحيّة الشّديدة البياض في نهاية الرّقّة» والّتي «تكاد تشفّ، ليس يُعلم لها نظير في جميع الأقطار، وعامّة الأمصار». والرّيحيّة، كما تصوّرها جورج مارسي، إبريق فخّار gargoulette بالغ الرّقّة مصنوع من الطّين وغير مزخرف مثل الّذي تمّ العثور عليه ببجاية. وهذه المهارة لا تُستغرب من أهل مدينة تونس الّذين تَعُودُ الصّناعة الخزفيّة لديهم إلى أقدم العصور. فقد تمّ العثور على بقايا أواني قريبة من فرنٍ لصناعة الخزف بالرّابطة تعود إلى العهد الفينيقي. كما عُثر على فرن آخر في ما يقابل حاليّا حديقة البلفيدير يعود إلى نفس الفترة. الفلاحة بمدينة تونس كانت مدينة تونس تملك منطقة خلفيّة خصبة وواسعة، وهي «فحص تونس». وبهذا «الفحص»، تقع خاصّة غراسة الأشجار المثمرة. وابتداء من القرن 5 ه/11 م، يبدو أنّ مدينة تونس قد اشتهرت بإنتاج أصناف من الغلال. فهي «من أشرف مدائن إفريقيّة وأطيبها ثمرا وأنفسها فاكهة». ويصف البكري أنواعا عديدة من الغلال مثل «التّين الخارمي، أسود كبير، رقيق القشر، كثير العسل، لا يكاد يوجد له بزر»، والسّفرجل «المتناهي كبرا وطيبا وعطرا»، «والعنّاب الرّفيع في قدر الجوز»، «واللّوز الفريك يفرك بعضه بعضا من رقّة قشره، ويُحتُّ باليد، وأكثره حبّتان في كلّ لوزة مع طيب المضغة وعظم الحبّة»، «والرّمّان ...لا عجم لحبّه البتّة، مع صدق الحلاوة، وكثرة المائيّة»، «والأترج الجّليل الطّيّب الطّعم، الذّكيّ الرّائحة، البديع المنظر». هذا إلى جانب إنتاج العِنب، وكذلك الزّيتون المغروس بجبل الصّيّادة (لعلّه يقابل الهضبة الّتي دُفنت بها السّيّدة المنّوبية). ومن هذا الجبل، وغيره، تتزوّد المدينة بما تحتاجه من زيت يتبع