توتّر، خلافات، تبادل للتهم، صراعات على الحدود ..عناصر أثّثت تجربة سنة من إرساء نظام اللامركزية وعمل البلديات بتوزيع جديد للسلطة كرّسه الدستور.. سنة كانت كافية ليدق الخبراء ناقوس الخطر مطالبين بضرورة مراجعة التجربة وترميم ما يمكن ترميمه. تونس «الشروق» سنة بعد انجاز الانتخابات البلدية،شهدت فيها المجالس المنتخبة كل أنواع التوتر والصراع بلغت حدّ حل عدد كبير منها في انتظار أن تصل الخلافات التي ميزت عددا من المجالس الأخرى الى حلها، كما شهد عمل هذه المجالس خلافا حتى حول النفوذ الترابي وهو ما عكسه الصراع القائم بين بلدية المرسىورواد. خلافات وصراعات الخلافات والصراعات التي ميزت سير عمل المجالس البلدية وتسببت في حل عدد كبير منها، تضع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات امام حتمية إعادة إجراء الانتخابات فيها وهو ما سيكبد ميزانية الدولة مبالغ طائلة في ظل ازمة مالية خانقة،فحسب تقديرات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يبلغ معدل إعادة انجاز الانتخابات في كل دائرة بلدية حوالي 50 الف دينار. هيئة الانتخابات دقت ناقوس الخطرفي عديد المناسبات على راسها اللقاء الذي جمع الأسبوع الماضي رئيس الهيئة نبيل بفون برئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر حيث اكد بفون على ضرورة تأجيل الانتخابات الجزئية البلدية إلى ما بعد إنجاز الانتخابات التشريعية والرئاسية،مشيرا الى ضرورة تقديم مبادرة تشريعية لتعديل القانون الانتخابي في هذا الاتجاه. تزامن الانتخابات بفون أشار أيضا إلى أن إعادة انجاز الانتخابات البلدية في عدد من الدوائر يمكن ان يتقاطع من الحملات الانتخابية للانتخابات التشريعية والرئاسية وهو ما سيحدث حالة لخبطة لدى الناخب التونسي، مشددا على ضرورة تنقيح القانون الانتخابي في سياق الترفيع في النصاب القانوني المخصص لسحب الثقة من رئيس المجلس البلدي او حله إضافة الى احتساب اجل الثلاثة اشهر التي نص عليها القانون كحد اقصى على انجاز الانتخابات البلدية الجزئية بعد حل المجلس البلدي، الى ما بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية. عضو الهيئة انيس الجربوعي شدد هو الآخر على ان انجاز الانتخابات البلدية الجزئية سيشتت مجهود هيئة الانتخابات، داعيا الأحزاب الى ضرورة إيجاد حل للازمات التي تعصف بالمجالس البلدية معتبرا ان الهيئة في الفترة القادمة سيكون جهدها منصبا على التركيز في تفاصيل الانتخابات التشريعية والرئاسية ومراقبة الحملات الانتخابية، طالبا "هدنة " لبعض الأشهر. صراع حدود بعد سنة عن انجاز الانتخابات البلدية كانت معظم المقاربات تشير الى ان اعتماد نظام اللامركزية سيساهم في إرساء مفهوم «ديمقراطية القرب» وتغيير واقع البلديات الذي بقي مهمشا على امتداد السنوات الفاصلة بين 2011 و2018، لكن يبدو ان الامر سار بشكل مخالف حتى اننا اصبحنا نعيش "صراع حدود" بين البلديات. آخر ما بلغه امر البلديات في تونس التوتر القائم بين بلدية المرسى وبلدية رواد، حيث استنكرت بلدية المرسى امس ما تعرض له اعوانها من قبل أعوان بلدية رواد، وبينت البلدية في بلاغ أصدرته ليلة أمس الخميس أن «أعوانها كانوا بصدد إزالة العلامة التي وضعتها بلدية رواد التي تشير فيها أن جزءا من أرض على ملك بلدية المرسى بمنطقة قمرت من أراضيها ولم ينساقوا إلى العنف أمام الاستفزاز الذي واجهوه من قبل أعوان بلدية رواد الذين قاموا بمحاصرة معداتهم». بلدية المرسى ذكرت أيضا انها تملك وثائق تؤكد ملكيتها للأرض من ذلك الامر عدد 2626لسنة 2004 المؤرخ في 9 نوفمبر 2004 الذي يتعلق بحدود بلدية المرسى ومثال التهيئة العمراني المصادق عليه من قبل سلطة الإشراف والمراسلات الخاصة بديوان قيس الأراضي والحدود بين ولايتي تونس وأريانة.وأشارت الى أن رئيس بلدية المرسى دعا الى إجتماع عاجل بوزارة الشؤون المحلية والبيئة يضم جميع الأطراف المتداخلة. النظري والواقعي ما أراده المشرع من خلال الباب السابع من الدستور التونسي، هو توزيع السلطات على البلديات والجهات والاقاليم وفق مبدإ «التدبير الحر» في محاولة لتمكينها من سلطة القرار وحتى لا تبقى خاضعة للمركز، بعد سنوات طويلة من الحديث عن تهميش المركز للأطراف والمناطق الداخلية . لكن ما تم التنصيص عليه نظريا يمكن القول انه كان خارج السياق في مستويين اثنين، الأول يتعلق بانه كان اقرب ما يكون الى "المثالية " في مستوى طرح مقاربات توزيع السلطة خاصة وان التجارب المقارنة لانجاز هذا الباب كانت تهم دولا تشهد ديمقراطية عريقة منذ سنين، اما المستوى الثاني فيتعلق بالمعطى التطبيقي الذي كان سيئا للغاية في السنة الأولى من عمل البلديات. من العوامل التي ساهمت في افساد تجربة اللامركزية في سنتها الأولى، الشخصيات التي اثثت المجالس البلدية وعدد كبير منها يعتقد ان العمل البلدي عمل «سياسي» مقتديا بتجربة نواب البرلمان، وهو ما جعل أغلبهم يفكرون في خوض الانتخابات التشريعية بعد فوزهم في الانتخابات البلدية، دون ان يكون لهم أي اثر في مستوى العمل البلدي. سنة فقط كانت كافية حتى تطلب هيئة الانتخابات إعادة النظر في مجلة الجماعات المحلية وتعديل الاوتار حتى لا يحدث «زلزال» يُسقط ما تبقى من مجالس بلدية ويجعلها امام سيل من الاستقالات هي غير قادرة على ترميمه، هذا الطلب يحيلنا الى ضرورة تقيم التجربة والوقوف على الأخطاء التي اثبتتها التجربة ومحاولة إصلاحها قبل فوات الأوان. البلديات التي وقع حلها المجالس البلدية التي تم حلها هي السوق الجديد (أنجزت انتخاباتها الجزئية) بلدية العيون، بلدية باردو، بلدية سكرة، بلدية بهرة، بلدية السرس، بلدية تيبار، بلدية نعسان، وبلدية كسرى... وعديد البلديات الأخرى التي من المنتظر حلها قريبا . 50 ألف دينار تكلفة إنجاز انتخابات بلدية جزئية في دائرة بلدية وحيدة يناهز 50 ألف دينار حسب تقديرات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.