في يوم القيامة يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، وتدنو منهم الشمس، حتى يبلغ عرقهم آذانهم، فإذا بلغ الغم والكرب منهم ما لا طاقة لهم به، كلم بعضهم بعضا في طلب من يشفع لهم عند ربهم، فلم يتعلقوا بنبي إلا قال: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، حتى ينتهوا إلى رسول الله ﷺ فينطلق، فيشفع حتى يقضي الله تبارك وتعالى بين الخلق... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال ﷺ : « لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعةً لأمتي في الآخرة » رواه البخاري. وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال ﷺ : « إذا كان يوم القيامة ماج «اضطرب» الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك فيقول: لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن، فيأتون إبراهيم، فيقول: لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله، فيأتون موسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بمحمد ﷺ، فيأتوني فأقول: أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي، أمتي، فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا؛ فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي، أمتي فيقال انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول يا رب أمتي، أمتي فيقال انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله » رواه البخاري. وهكذا تتعدد صور ومظاهر حرص النبي ﷺ على أمته ورحمته بها في السيرة النبوية، ولم يؤثر عن نبي من الأنبياء عليهم السلام ذلك الحرص والحب الشديد لأمته كما أُثِر عنه صلوات الله وسلامه عليه، فكم بين قول الرسل عليهم السلام: « نفسي، نفسي »، وبين قول نبينا ﷺ: «أمتي، أمتي » من معانٍ عظيمة، وصدق الله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُول مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيز عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيص عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوف رَّحِيم﴾ التوبة: 28. يتبع