اشتهر عصر هارون الرشيد بانه عصر العلماء والمخترعين وكان من ابرزهم مع جابر بن حيان، الحسن بن الهيثم اكبر عالم بصريات على مر العصور، واياد الله البتاني الفلكي الشهير شرقا وغربا، والخوارزمي عالم الرياضيات ذائع الصيت والذي افتخرت به الانسانية لما قدمه في عالم الرياضيات، وابو حنيفة الدينوري عالم النبات، والمصنف العظيم البيروني وكل هؤلاء عاشوا في كنف الرشيد ومكنهم من العمل والالتقاء في رحاب بيت الحكمة واجزل لهم العطاء فنهلوا من مراجعها ومصادرها وهي المكتبة التي اعتبرت فريدة العصر اذ لا نجد نظيرا لها الا في قرطبة بالاندلس. وقد اعطت بيت الحكمة ثمارها ايام المأمون. كما تقدمت في عهد الرشيد الصناعات وكان على راسها الساعات التي اشتهر بها هذا العصر واذهل اروبا قاطبة كما اشتهرت ادوات الملاحة البحرية التي ترشد السفن في اعالي البحار. وصناعة الادوية، وقد شهد هذا العصر تطور الطب وبداية اجراء العمليات الجراحية وانتشار المستشفيات في كل اقليم البلاد الاسلامية. وقد بلغت الثروات الهائلة في عهد الرشيد ما لم يبلغه اي ملك اخر فامن الرفاه لكل الناس ولكل الاقاليم وليس فقط بغداد عاصمة الخلافة. قال القلقشندي « وكانت خزائن الرشيد تفيض بالاموال التي كانت تجبى من الضرائب حتى بلغت في عهده ما يقارب اثنين وسبعين مليون دينار عدا الضريبة العينية التي كانت تؤخذ مما تنتجه الارض من الحبوب حتى ان الرشيد كان يستلقي على ظهره وينظر الى السحابة المارة ويقول اذهبي حيث شئت يأتيني خراجك «. كان هارون الرشيد يمثل رمزا لعظمة الاسلام في اروع صوره الانسانية فتعرض لكثير من اقوال ذوي النفوس الضعيفة والاحقاد الدفينة والشعبويين ولكن كل ذلك لا يحجب مكانته العظيمة التي تركها في التاريخ وصبغ بها عصرا باكمله. اذ اعتبر كل المؤرخين ان عصر الرشيد كان اللبنة الاخيرة التي اكتمل بها البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للدولة العباسية وبها اكتمل بهاؤها وثراؤها وضربت الشجرة بجذورها عمق الارض لتظل ثابتة قوية لامد بعيد وسجل التاريخ ان دولة الرشيد كانت اغنى بلاد العالم واكثرها خيرا وثراء ولم يكن بالسلطان الجائر او الحاكم الظالم الجابي للخراج دون الاهتمام باحوال البلاد والعباد فما كان يريد لخزينة الخلافة خراجا الا بعد اكتفاء الامصار لحاجتها وكان عهده عهد رخاء لكل الامصار والاقاليم واضاف الى ذلك بان اعطى كل اقليم الحق في اختيار الولاة دون تعصب لمذهب او عرق فهدأت الخواطر وطابت النفوس وعم السلام كل ارجاء ملكه. وكان ذلك ما استمدت الدولة منه سلطانها وما احرزته من مناعة وسطوة بين الامم المجاورة وذلك ما جعل الروم يخشون دولة الاسلام ويسعون الى عقد الاتفاقيات معها ويدفعون لها الجزية صاغرين. يتبع