انسلخت في بداية عهد هارون الرشيد بعض الولايات عن الدولة وقد رأى الخليفة في بادئ الامر حفاظا على سلطته القبول بمبدأ الانفصال الاقليمي بمفهوم الحكم الذاتي لكل ولاية فلا يتدخل في صغائر تدبيرها محافظة على تواصل حبل الود والاعتراف له بالملك ويكفيه منها القبول بسلطانه وتقديم الخراج له ، وكان هناك صراع تقليدي بين عرب الشام وبين اليمانية والقيسية وهو صراع سبق ظهور الاسلام وقد تمكن الامويون من اخماد جذوته غير انها ظهرت مرة اخرى في العصر العباسي . وفي عصر الرشيد سنة 180 هجري هاجت هذه العصبية القبلية في الشام هياجا عظيما وصارت حربا قتل فيها الكثير ، فارسل الرشيد جعفر بن يحيى البرمكي الى الشام ليطفئ نار هذه الفتنة حيث تمكن من التوفيق بين الفريقين. وفي مصر لم يكن الحال افضل من الشام ، ولعل الامر يعود الى الاحساس بالاستغلال المفرط . اذ كان المصريون يرسلون مبالغ ضخمة من الاموال لاسترضاء الخليفة تحت عنوان الخراج وهو ما ارهق العامة ولم يعودوا يتحملون الكلفة الباهظة لذلك خرج كثير منهم على الخلافة مطالبين بالانفصال عنها .وقد طلب هارون من جعفر البرمكي بعد ان تمكن من وأد الفتنة في الشام ان يتولى ولاية مصر غير ان جعفرا رفض وارسل هرثمة بن اعين بدلا عنه وذلك عام 178 هجري ولكنه لم يتمكن من اخماد ثورات العرب من القيسيين واليمنيين الامر الذي دفع هارون لفرض ما يشبه نظام الالتزام اي المزايدة على خراج مصر وتولية من يقدر على جمعه وجبايته . اما ولاية شمال افريقية فزادت قلاقلها في عهد الرشيد وكان واليها يزيد بن حاتم تقلد امور الولاية منذ عصر المنصور ثم جاء من بعده بعض الامراء الذين لم تطل فترة حكمهم وتمكن احدهم وهو ابن الجارود من الانفصال والاستقلال بقطره عن الخلافة فارسل اليه هرثمة بن اعين فتمكن من اعتقاله وارساله الى بغداد وظل عليها واليا حتى عام 179 هجري ثم طلب اعفاءه من ولايتها بعد ان تكاثرت عليه الفتن والمؤامرات . وتقدم ابراهيم ابن الاغلب اليمني وكان له نفوذ وثراء وعرض على الرشيد ان يتولى امر الولاية في شمال افريقية على ان تبقى وراثية في اسرته ويتعهد في المقابل بان يرسل الى بيت المال في بغداد كل عام اربعين الف درهم بالاضافة الى عدم ارسال المساعدات التي كانت ترسلها دار الخلافة سنويا الى ولاة افريقية وقدرها مائة الف فكتب له هارون عهدا بذلك . لم يكن قيام دولة الاغالبة في الشمال الشرقي الافريقي في بادئ الامر يعني الانفصال التام عن الخلافة العباسية فقد ظل ابراهيم بن الاغلب يستشير هارون في كل ما يتصل بامارته وقد طلب من الخليفة المدد من مصر عندما قامت قلاقل من جند طرابلس الغرب التي كان الخليفة قد ضمها الى امارته . ونقل ابراهيم دار الامارة من القيروان الى المهدية واطلق عليها اسم العباسية تقربا من الخليفة العباسي كما اقام فيها قصرا اطلق عليه الرصافة يشابه قصر الرصافة ببغداد .وتكفل ابن الاغلب بحماية ظهر الخلافة العباسية من الطامعين والطامحين مثل البربر وعبد الرحمان ابن رستم في سجلماسة وغيرهم . يتبع