اعتبر كثير من الباحثين هارون الرشيد من فصحاء زمانه وعلمائهم وكان يميل الى مجالسة الفقهاء واهل العلم والادب والشعراء ، فكان يجالس ابا نواس وابا العتاهية من الشعراء وكان يجالس الاصمعي من كبار علماء اللغة وابا يوسف تلميذ ابي حنيفة في الفقه والواقدي في التاريخ وكان يقربهم ويناظرهم ويعود الى توجيهاتهم ويرفع شأنهم بين الناس .وقد اشتهر عصر هارون بازدهار المغنين واكثرهم من اصل فارسي ومنهم ابراهيم الموصلي وزرياب وابن جامع ودنانير جارية يحيى بن خالد البرمكي . وكانت قصور العباسيين لا تخلو من السميريات وهن القيان البارعات في فنون الغناء والرقص ولم تكن قصورهم تخلو من المهرجين واصحاب الطرائف والنوادر مثل ابي دلامة وقد اعتمد البرامكة هذا الفن وكثفوه في قصر هارون كما تذكر ذلك بعث البحوث التاريخية بغرض التجسس على الخليفة والهائه عن شؤون الحكم واحياء بعض الثقافة والتقاليد الفارسية فكان عماد هذا الامر موكولا الى احد الظرفاء الذي استحوذ على لب الرشيد واستلطفه وهو ابن ابي مريم المديني فاصبح لا يفارقه حتى في مجلس حكمه ومما يذكر في منزلته عنده ان الرشيد كان يصلي يوما فقرأ قول الله تعالى : « ومالي لا اعبد الذي فطرني واليه ترجعون « فقال له ابن مريم : لا ادري والله ، فغلب الضحك على الرشيد وعندما انتهى من صلاته التفت اليه مغاضبا وقال : اياك اياك والقران والدين ولك ما شئت بعدها . لقد كان العصر العباسي الاول عصر الازدهار والثقافة والثراء والرفاهية والمتعة ، وكان عصر الرشيد ازهى العصور بل ازهى عصور دولة الاسلام منذ قيامها ومن حياة القصور في بغداد اخذت قصص الف ليلة وليلة ، وليالي بغداد بعد ان خلطت الحقائق بالاساطير ليظهر اعداء هارون الرشيد عصره بعصر الزندقة والمجون وتغلب الشهوات . كما ازدهر المجتمع بعد ان وصلت دولة الاسلام في عهد الرشيد الى ذروتها في الاتساع اذ تمتد من نهر السند الى المحيط الاطلسي ، وجمعت من الاجناس العرب والفرس واهل الشام والترك واهل السند والبلغار والتركمان والمصريين والبربر واختلفت الشعوب من حيث الثقافات والمذاهب الدينية والعقائد في ظل الدين الاسلامي مثل العقائد الوثنية والزرادشتية والهندولكية والماجوسية والديانات اليهودية والمسيحية . ولم يكن لهذا المجتمع ان يتعايش ويتناغم دون سماحة من الدين الاسلامي وقوة الحاكم وفرض الامن بتطبيق العدل واستتباب الحكم وعموم الرخاء وكانت الدولة في اشد الحاجة لجمع شتات هذا الخليط المتفرق والمتباين من الاجناس والثقافات والمذاهب وعدم التمييز فيما بينها وعدم قهرهم وتغليب عنصر على عنصر اخر . وحرص الرشيد ان يسن سنة جديدة لم تكن موجودة في عهد الخلفاء السابقين وتتمثل في منح الحكم الذاتي لكل ولاية مع حرية التعبير وابداء الرأي فأمن الناس وسكن روعهم تجاه السلطة الحاكمة وتمكن بذلك من جمع الشمل ووحد الصف وقضى على الخلافات المذهبية والانقسامات الجغرافية والميول السياسية . يتبع