بقلم: المكّي العلوي (مناضل دستوري) في خضم معركة التحرير الوطني مع الاستعمار الفرنسي واتساع عمليات المقاومة المسلحة التي إنطلقت منذ 18 جانفي 1952، شهد شهر ماي 1954 يوم 20 منه نقل الزعيم الحبيب بورقيبة من جزيرة جالطه التونسية إلى جزيرة قروا "Grois" على ساحل مقاطعة بريطانية الفرنسية واثر هذا النفي أعلن الديوان السياسي للحزب الحر الدستوري في بيان تمسك الأمة التونسية ورغبتها في تحقيق الإستقلال وأنّ نقل الزعيم الحبيب بورقيبة من منفى الى منفى لا يحل القضية التونسية بل يزيد الشعب التونسي إصرارا على الكفاح وتقديم التضحيات. وفي هذا الظرف بالذات تصاعدت وتكثفت عمليات المقاومة المسلحة في كافة أنحاء البلاد في الجبال والمدن والقرى، كما وقع إغتيال الشهدين الطاهر وعلي حفوز يوم 24 ماي 1954 عن طريق اليد الحمراء. وفي يوم 24 ماي 1954 وقعت معركة جبل ماجورة الشهيرة بين القوات الفرنسية وفصيل من المقاومين يقوده محمد الصالح بالحاج سماري، هذه المعركة استمرت أكثر من ست ساعات حيث بدأت قوات الجيش الفرنسي منذ الصباح الباكر بتطويق الجبال من شمالها الى جنوبها بقوات قادمة من ثكنات قفصة وسيدي بوزيد والسند والمكناسي. وتعود بي الذاكرة وأنا تلميذ في الصف الرابع ابتدائي بمدرسة أولاد عمر (الجهلي) أن السيد مدير المدرسة الحاج أحمد الساسي لما شعر بخطورة الموقف في المنطقة، حيث لا تبعد المدرسة إلا بعض الكيلومترات عن ميدان المعركة، أمر التلاميذ بالعودة الى بيوتهم منذ الساعة العاشرة صباحا لأنه أحس بالخطر المحدق بالتلاميذ أمام التواجد العسكري الكثيف المعزز بالشاحنات والمصفحات والطائرات التي تحلق فوق الجبل. وأثناء العودة الى المنزل وفي طريقنا اعترضتنا أفواج من اللفيف الأجنبي والقومية وكان البعض منهم يقوم بتفتيش الرجال الكبار العائدين من السوق الأسبوعية بالسند وتحويلهم الى مجمعات تحت أشجار البطوم والزيتون بوادي الناظور كما رأينا أنه يتم ضرب هؤلاء المواطنين وركلهم والتنكيل بهم. كما تم انتهاك الحرمات وتفتيش المنازل لسكان قرية المقاديم موطن القائد محمد الصالح. كما تواصلت هذه المعركة حتى آخر النهار وكانت المدافع تدك الجبل والطائرات تقصف المقاومين الصامدين ببسالة وإستماتة حتى الرمق الأخير وكانت من نتائجها إستشهاد القائد محمد الصالح الصماري بقذائف الطائرة حسب رواية الكبار من أهالي المنطقة كما استشهاد معه سبعة من رفاقه وهم: عمار بن عياد التليلي – محمد العايب الشتيوي – السيد الماجوري – الراشدي بن حسين – الاخضر بن صالح صماري- الناصر بن الحسين صماري – محمد بن السالم بن علي صماري. كما جرح المقاوم الميداني بن صالح بن العيفة صماري وتم أسره. وفي المقابل أصيب خمسة من الجيش الفرنسي حسب رواية الجهات الفرنسية أما مارأه المواطنون وشهود العيان من سكان المنطقة فإن عدد القتلى الفرنسيين كان أكثر وسيارات الإسعاف العسكرية كانت تقل القتلى والجرحى وهذا أمر تعود عليه الجانب الفرنسي الذي لا يعلن عن حصيلة عدد قتلاه. وفي اليوم الثاني من هذه المعركة تولى جمع من المناضلين الدستوريين الإشراف على دفن الشهداء الثمانية في موكب خاشع بمقبرة السند المحطة وقد أمّ هذا الموكب الإمام عمار الجريدي حسب رواية والدي محمد علي العلوي الذي كان حاضرا صحبة جمع من المناضلين من أهالي السند والمناطق المجاورة، وقد سهل عملية الدفن ضابط تونسي في الجيش الفرنسي بثكنة السند وإسمه الأسمر بوزيان الذي منع حتى الجندرمة من الحضور وعدم مضايقة المواطنين والمناضلين الذين حضروا عملية الدفن ومنهم: محمد علي العلوي – النوى بن سعد السندي – عمر السهيلي سندي – الذهبي بن جلول حيدوري – الجمعي الماجوري – محمد التومي السندي – الهادي بن عمار بالأخضر السندي- خضر الزغبي – البشير بن عمار الماجوري – عبد الجليل بن النوري – أحمد بن ساسي صخراوي، وغيرهم. وبعد هذه المعركة حصلت اعتقالات شملت عددا كبيرا من المناضلين حسب ما نشر في جريدة الصباح الصادرة بتاريخ 4 جوان 1954 تحت عنوان إعتقالات في الهمامة وهم على التوالي الشيخ الهادي، الشيخ أولاد بوعزيز- الشيخ بشير بن محمد شيخ اولاد عمر – محمد علي العلوي- الحاج أحمد الساسي مدير المدرسة – الأستاذ محمود المعلال معلم الفرنسية بالمدرسة – جلول بن الذهبي – حسن بن أحمد بن الحاج- بوبكر بن حمد وأبنيه أحمد ومحمد – البشير بن علي بن أحمد الساسي – عمار بن علي بن أحمد الساسي أخوهما النوي بن علي – محمد بن عثمان سعدان كما تم إعتقال الساده ضو بن التوتي والحاج منصور المشي وعبيدي بن محمود قاسمي ومبروك بن مادي. وكانت التهم الموجهة لهؤلاء مساعدة الثوار ماديا وأدبيا ومسك منشورات، وقد تم تعذيبهم والتنكيل بهم في سجن الجندرمة بالمكناسي وما أذكره ان عملية التعذيب هذه أورثت الوالد محمد علي العلوي مرضا مزمنا لازمه حتى وفاته. إنّ هذه المعركة التاريخية تلتها معارك عديدة في المنطقة مثل معركة جبل السند – معركة جبل الملوسي – جبل مقلي – جبل الهداج – جبل مش- جبل المكناسي وغيرها من المعارك التي سقط فيها العديد من شهداء الوطن الذين رووا بدمائهم أرض الوطن مهرا للحرية، فكان الشهيد محمد الصالح بالحاج بطلا ورمزا لهذه المعارك صحبة رفاقه الشهداء، وبهذا المناسبة نترحم على أرواحهم الزكية وكل شهداء الوطن الذين خاطروا بحياتهم وحققوا النصر لتونس، وإذ نذكر بهذه الأحداث ليفتخر بها الشباب ويعتز بماضي أسلافه واجداده الذين حققوا النصر وبنوا دولة الإستقلال وأنّ هذه المكاسب جاءت ثمرة جهاد مضن وتضحيات جسام. قال الله تعالي: ﴿وَلَا تَحْسبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾. صدق الله العظيم. المراجع: سجل شهداء الوطن كتاب ثورة ثوار وأنصار جريدة الصباح 195.