لأن تونس تحارب أزمتها الرّاهنة على كافة الواجهات ولكن واجهة أخرى تطل على بلادنا بوجهها القبيح وهي الأوساخ التي تحرث شوارع المدن والعاصمة وحولتها إلى مصبات حقيقية. هاجس النظافة اليوم لا يقل أهمّية وجسامة عند التونسيين عن غيره من الهواجس الأخرى...إذ يكفي المرور في شوارع العاصمة وأحوازها حتى يصدم المتابع لهول ما يشاهده من أوساخ حولت بعض الساحات العريقة إلى بؤرة للانتصاب الفوضوي وللأوساخ المتراكمة، ناهيك عن غزو ال"فريب" شارع جمال عبد الناصر بالعاصمة وجزءا من ساحة برشلونة. ولعلّ ذاكرة الأجيال تعود بها إلى عقود خلت عندما كانت ساحة برشلونة رائعة بنظافتها والنظام السائد فيها شأنها في ذلك شأن الكثير من أنحاء العاصمة... وهي صور تحفظها الذاكرة جيدا عندما كان الحال غير الحال. ماذا أصاب تونس إذن؟ ولماذا تحولت العاصمة إلى مصبّ للأوساخ وانحدرت كلّ هذا المنحدر على مستوى النظافة والنظام؟ ولا شكّ أنّ الفوضى التي حلّت بالبلاد منذ سنة 2011 هي المسؤولة بعد أن انفرط العقد الذي كان يوحد البلاد تحت راية واحدة وهي المواطنة. الكثيرون فهموا معنى الحرّية خطأ وصار الحبل على الغارب في كلّ المجالات. والنظافة كغيرها من القيم دفعت الثمن باهظا. النظافة بالتأكيد ليست ترفا حتى لا تنال نصيبها كما ينبغي. وإذا كان التقشف اقتضى إعادة هيكلة الدولة فإن العناية بالبيئة ينبغي أن تظل في طليعة التوجهات حتى لا نقول بأنّ السياسة أضرت بالبيئة في مرحلة دقيقة تعيشها تونس. وكم هي صادمة ومعبرة تلك الصور التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي للسيّاح في صائفات ماضية. وهم ينظفون بعض المواقع السياحية في وقت تحتاج فيه تونس إلى صورة مشرقة تكون فيها النظافة هي العنوان البارز. ولا شك أن الحديث عن النظافة يحملنا بطبيعته إلى داخل ولايات الجمهورية التي تعيش بدورها في ظل ترد واضح على مستوى البيئة وجمالية المحيط. ولنا في بعض المدن في الجنوب الشرقي (قابسومدنين) خير مثال حيث لا تغيب عن عيون أهلها وزوارها مشاهد مصانع الجليز (منطقة اللبة) في مدنين الجنوبية التي لا يتوانى أصحاب المصانع عن إلقاء فضلاتها في الأراضي الفلاحية المتاخمة على مدى خمس عشرة سنة وعلى نحو يثير الحيرة. ويدفع إلى التساؤل عن صمت الجهات المسؤولة تجاه هذه التصرفات العشوائية التي تمنع نمو الغراسات الحديثة خصوصا الزياتين وغيرها عند هبوب الرياح. فتصبح أوراقها بيضاء عوضا عن خضراء رغم أنّ الإدارات الجهوية للبيئة قامت مشكورة بالإجراءات القانونية شفاهيا وكتابيا وقضائيا. ولكن صعب عليها تنفيذ الأحكام !!!. هذا يعني أن البلاد بكلها تعاني إفرازات وضع بيئي غير مسبوق يتطلب من الجهات المعنية إرادة قوية تكبح جماح كلّ المخلين بالنظافة وجمالية المدن والقرى. ونحن على أبواب موسم سياحي نريده واعدا. الانشغال بالانتقال الديمقراطي يبدو أنه أنسى المجالس البلدية والسياسيين الحزبيين أشياء هامة أخرى في مقدّمتها نظافة المدن والجهات وجمالية الوطن. أمّا في العاصمة وأحوازها فكم هو محزن ومخجل أن تمرّ في شوارع قذرة في بلاد بها من السنين الحضارية ما يفوق ثلاثة آلاف سنة. من الشجاعة أن تنفذ الأحكام والمخالفات على مرتكبيها مهما كان وزن الصناعيين في الجهات. حيث نذكر أنّ تونس كانت بطاقة بريدية جميلة وقطعة رائعة من شمال البلاد وجنوبها. وهاهي اليوم على نقيض ذلك تعاني ويلات الأزمات التي لا يعرف أحد مداها في مرحلة تقبل فيها بلادنا على موسم سياحي واستحقاق انتخابي كبير من أولوياته إنقاذ تونس وإعادة الرّوح إليها والثقة إلى شعبها. وفي هذا الإطار لا بدّ من التأكيد أن النجاح في الصناديق الانتخابية لا يكفي!!. بقلم : المنصف بن فرج (برلماني وقنصل عام سابق رئيس جمعية البرلمانيين التونسيين بالنيابة)