بقطع النظر عن تمرير مشروع قانون الإقصاء فإن الجدل الذي أثاره وضع مرة أخرى العقل السياسي التونسي في خانة ردّ الفعل من جهة وأيضا أقحمتْه (هذا العقل السياسي) الأحداث، في بوتقة سياسة الهروب الى الأمام... والحقيقة، كشف هذا الجدل، أيضا عن أسلوب الفاعلين السياسيين وخاصة منهم المكوّنين للائتلاف الحاكم عن عدم قدرة على الإبداع السياسي وكشف كذلك عن قصور عام في الثقافة السياسية والديمقراطية لدى نفس هذه الفئة. الاتحاد الأوروبي ممثلا في 28 وزيرا للخارجية، ذكّروا أهل الذكر في تونس بل ذكّروا «أهل الحل والعقد» في بلادنا بأن لنا دستورا علينا احترامه وهذا في الحقيقة مؤسف ومخجل... الأسئلة التي تطرح نفسها وبإلحاح هنا، تقول: أولا: ماهي الرسائل التي يريد الائتلاف الحاكم ومن يتمركز في مداره من كتل وشخصيات، أن يعطيها الى الشعب التونسي، من خلال ردّ فعل هذا الائتلاف على المسار الديمقراطي وعلى الانتخابات التي تؤكد الأرقام أن عدد الناخبين لانتخابات 2019 (بعد ثلاثة أشهر تقريبا) سيكون غير مسبوق، من حيث ارتفاعه ومن حيث أغلبيته من الشباب.. ما وصل الى الناخب التونسي والرأي العام الوطني بصفة عامة أن بلادنا لاتزال تراوح مكانها في مجال الديمقراطية والدربة على الديمقراطية.. وقد تبيّن ان الديمقراطية والحرية تعني للبعض الاستمرار في كرسيّ السلطة، وأن التداول عليها عن طريق الانتخابات أمْر مستبعد.. ثانيا: ماهي الرسائل التي يراد تمريرها للعالم، وللمستثمر الأجنبي تحديدا عندما نضع البلاد على كفّ عفريت اللاإستقرار؟ فهل مازال الحديث ممكنا عن استجلاب الاستثمار الخارجي، والذي لا يمكن أن يستقرّ في بلد، الا متى توفرت القاعدة الاساسية للديمقراطية وهي التفريق الجدّي والصريح بين السلطات: السلطة القضائية والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. عن أي تسويق ممكن لبلادنا على أساس أنها ديمقراطية ناشئة تتجه للبناء الجدّي وليس التهديم من شيمها؟ هذه هي سياسة الهرولة نحو المجهول... وهذه هي سياسة المغامرة غير المحسوبة، لأنه وبقطع النظر عن القانون مرّ أو لم يمرّ، فإن المحظور وقع...