في هذا الجزء الثاني من متابعتنا لفضيحة تعرّض 15 طفل للتحرش والاغتصاب بعد استدراجهم من قبل غرباء عبر فايسبوك سنطرح السؤال حول ازمة التنشئة التي تأكّد أننا نعيشها بسبب مجمل هذه التطورات الاجتماعية والتكنولوجية التي نعيشها فكيف لنا استصلاح عملية التنشئة وتفادي ولادة جيل بملامح مشوّهة؟ تونس/الشروق: تعددّ المتدخلون في عملية التنشئة في تونس فالتحول في تركيبة الاسرة التونسية والتي أصبحت اسرة نواتية بالأساس سمح بإخراج الطفل منذ اشهره الأولى الى الحواضن ورياض الأطفال وهي فضاءات خاصة تشهد العديد من الاخلالات والتجاوزات باعتراف من وزارة الاشراف، وزارة المراة والاسرة والطفولة والمسنين ذاتها من ذلك غياب آليات المراقبة في ظل تعدد هذه الفضاءات وعدم احترامها لكراس الشروط. المحاضن ورياض الاطفال سمح المنطق الربحي للكثير من باعثي هذه المشاريع بعدم قيام هذه الفضاءات بدورها الفعّال في عملية التنشئة السليمة بقدر ما كانت فضاء لانتهاك نفسية الطفل واحيانا انتهاك حرمته الجسدية إذ تم الكشف عن الكثير من حالات العنف والتحرش والاعتداءات الجنسية على الأطفال وهي قضايا منشورة لدى المحاكم في عدد من الجهات. بعض هذه الفضاءات يفتقر العاملون فيها الى التكوين الأكاديمي والاختصاص المطلوب لأداء دورهم بشكل سليم الامر الذي يؤثر سلبا فإن نفسية الأطفال روّاد هذه الفضاءات وحتى ذوي الاحتياجات الخصوصية منهم من ذلك نذكر الفيديو المسرّب لحادثة الاعتداء بالعنف على طفل مصاب بمرض التوحد في مركز تكوين خاص بالأطفال من مرضى التوحد. بالإضافة الى تواجد فضاءات تعمل بشكل غير قانوني وهي أكثر عنفا على نفسية الأطفال من ذلك نذكر معسكر التدريب الذي تم الكشف عنه في الرقاب حيث تعرّض الأطفال الى دروس قاسية في حفظ القرآن والتدريب على التشدّد الديني وبالتالي فتح الباب لخلق جيل متشدد مؤمن بالعنف. هكذا اُخْرِجَ الطفل من حضن والديه في اشهر مبكّرة لتلقّي كل هذا العنف من حوله سواء من قبل مشاريع تجاريّة تبحث عن الربح المادي خاصة وان التنافس بين هذه الفضاءات لم يكن حول جودة الخدمات المقدمة للطفل وحول القيمة التعلميّة التي يتم منحها للطفل بقدر ما كان تنافسا حول «من الأغلى سعرا» خاصة وان العقلية الاستهلاكية لدى التونسي تقول إن ما غلا ثمنه هو بالضرورة جيد دون التثبّت في الجودة. إذ تتراوح أسعار المحاضن رياض الأطفال بين 120 و500 دينار شهريا. أزمة المدرسة من المحاضن ورياض الأطفال الى المدرسة حيث لا تبدو مؤسسة التنشئة التقليدية وثاني ابرز المتدخلين في عملية التنشئة ما بعد الوالدين، المدرسة، في وضع سليم للقيام بهذا الدور إذ تعاني بدورها من تغيرات عديدة وضغوطات تشابه تلك التي أصبحت تعيشها الاسرة. فالمدرسة العمومية تعيش حالة انهيار تدريجي وفي المقابل يتزايد نشاط مدارس القطاع الخاص والتي تخضع في النهاية الى المنطق الربحي. كما ان مربّي اليوم يختلف عن مربّي الامس إذ ان مربّي اليوم يواجه تحديّات اقتصادية واجتماعية وضغوطات معيشية لا تسمح له بالقيام بدوره في عملية التنشئة بأريحية بقدر ما يكون القسم فضاء لإلقاء الدرس وتلقينه للتلاميذ دون المرور باي عملية تعلّمية أخرى. وبالعودة الى فضاء التنشئة الأصلي يلاقي الوالدان في الهاء الطفل بالأنترنت حلاّ لتفادي الاجهاد والارهاق في المنزل لأجل هذا ارتفعت خلال السنوات الأخيرة مبيعات الهواتف الجوالة واللوحات الالكترونية وهي المتطلبات الأساسية للأطفال اليوم. ولا يتوقف استخدام هذه الشاشات لدى الأطفال عند الحصول على الألعاب الالكترونية بل إنهم أصبحوا حرفاء متميزين لمواقع شركات الميديا الاجتماعية خاصة فايسبوك وانستاغرام. كل هذه السيول الجارفة والتي اخذت ملامح الطفولة بعيدا وخلقت جيلا بملامح جديدة في تونس بسبب كثرة وتشعّب عدد المتدخلين في عملية التنشئة لم تخف ولادة جيل مؤمن بالحريات فأطفال اليوم يتحدثون بطلاقة عن الحريات والحقوق وهو امر بات يرعب الكثير من الاولياء تخوفا من ان تكون فاتحة لخروج الطفل عن السيطرة والحال ان الواقع يقول إنّ جيل الثورة تربّى في أجواء حقوقية وفي الحريات ولا يمكنه ان يُسلب باي شكل من الاشكال هذا الحق. ما تبقّى هو تداخل في عملية التنشئة يحتاج للتنظيم ولمراجعة الأدوار ومن ذلك مراجعة دور الاسرة ودور المدرسة واستصلاح دور المحاضن ورياض الأطفال وذلك بالتصدّي لمجمل التجاوزات الحاصلة ووقف النزيف الربحي الذي اصبح يشوب العملية التربوية. مقترحات بصوت الأطفال تونس/الشروق: جمعتها أسماء بادرت وزارة المراة والطفولة والمسنين بتنظيم استشارات مع الأطفال بخصوص علاقتهم باسرهم وبالفضاء التربوي ضمن المخطط التنموي 20162020 وقد افضت هذه المشاورات الى المقترحات التالية وهي مقترحات بصوت الأطفال: في علاقة بالفضاء الاسري: -ترسيخ الحوار داخل الاسرة -دعم ثقافة الحوار بين الاولياء والابناء -تنشئة الأطفال على التعبير عن الراي والمشاركة في اتخاذ القرار ونبذ استخدام العنف -بناء العلاقات الاسرية على أساس الشراكة والمساواة بين الأبناء - ترسيخ الانصاف والمساواة بين الأبناء دون التمييز بينهم حسب الترتيب العمري او الجنسي -العمل على إعادة توزيع الأدوار بين الزوجين وتكريس الشراكة بينهما -اللجوء الى المختصين في مجال الوساطة العائلية لفض الخلافات الاسرية -تنمية قدرات الاسرة -دعم قدرات الاسر الاقتصادية ذات الدخل المحدود حتى يتسنى لها الاضطلاع بوظائفها التربوية -دعم قدرات الاولياء في تربية الأبناء وحمايتهم من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر في علاقة بالفضاء التربوي -تحسين العلاقة بين الدارسين والإطار التربوي -تطوير الشراكة بين الاسرة والمؤسسة التربوية -توفير البنية الأساسية والتجهيزات وقاعات المراجعة في المؤسسات التربوية -تغيير مضامين البرامج البيداغوجية مثل استخدام تكنولوجيا الاتصال والاعلام في التدريس والعمل على غرس روح المواطنة لدى الناشئة -العمل على الحد من الانقطاع عن التعليم -اصلاح الزمن المدرسي -مراجعة نظام التاديب