أثارت مواضيع الاختبارات الكتابية ومقاييس الإصلاح المتعلقة بمادة العربية في شعبة الآداب والعلوم والاقتصاد انتقادات واسعة في صفوف أساتذة العربية المكلفين بإصلاح امتحان الباكالوريا دورة 2019 الذين اتهموا وزارة التربية ب»الارتجالية والاستخفاف» بالامتحانات الوطنية الإشهادية . تونس (الشروق) صيحة فزع أطلقها أساتذة العربية المكلفون بإصلاح امتحان الباكالوريا دورة 2019 لشعب الآداب والعلوم والاقتصاد نتيجة ما عبروا عنه بالخروقات والاخلالات التي شابت مواضيع الاختبارات الكتابية ومقاييس الإصلاح المتعلقة بمادة العربية سواء في شعبة الآداب أو في الشعب العلمية والاقتصادية مما يفتح الباب الواسع أمام التشكيك في جهود المدرسين ومصداقيتهم والطعن فيها . وانتقد هؤلاء الأساتذة من خلال عديد العرائض الصادرة عنهم في أغلب مراكز الإصلاح والتي تحصلت «الشروق» على نسخ منها، الطرق المتوخاة من قبل وزارة التربية في اختيار المواضيع وضبط مقاييس الإصلاح لتخرج في شكلها النهائي بهذه» الثغرات والاخلالات العديدة «المتمثّلة أساسا في غموض طرح بعض المواضيع وعدم التطابق بينها وبين مقاييس إصلاحها وعدم التزام بعض هذه المواضيع بما ورد في سفر البرامج الرسمية ( الموضوع الثاني في امتحان شعبة الآداب والسؤال السابع الخاص بالانتاج الكتابي في امتحان الشعب العلمية والاقتصادية ) الى جانب الأخطاء الواردة في مقاييس الإصلاح الناتجة وفق تأكيدهم عن الارتجالية وغياب الجدية واعتماد مصطلحات غير دقيقة وقابلة للتأويل. وحمل الأساتذة المكلفون بإصلاح امتحان الباكالوريا دورة 2019 لشعب الآداب والعلوم والاقتصاد هذه القضية لوزارة التربية لعدم تفاعلها ككل سنة مع ملاحظاتهم الرامية الى تجويد الامتحانات الوطنية وهوما من شأنه أن يضرب في العمق مصداقية الامتحانات. ويستهدف شعبة الآداب عامة واللغة العربية خاصة، مطالبين بتقييم جدي ومسؤول لامتحانات الباكالوريا من حيث بناؤها ومحتواها المعرفي ومقاييس إصلاحها يفضي الى تلافي نواقصها المزمنة هيكليا وتنظيميا وبيداغوجيا. ويتيح للمدرسين المباشرين للعملية التعليمية هامشا أوسع للمشاركة الفعالة في تصور وضعها وبناء مقاييسها . خلل منظومات التعليم والتقويم والمناهج لمزيد تسليط الضوء على هذا الإشكال القائم الذي شهد جدلا واسعا في الأوساط التربوية وأثار انتقادات كثيرة، تحدثت «الشروق»الى الخبير الدولي في التربية السيد عماد بن عبدالله السديري الذي أكد أن ما حدث يتعلق بخلل متوارث في تطوير منهج اللغة العربية. وهوما يعكس الخلاف الذي نشب بين لجان الإصلاح الجهويّة والجهات المكلّفة بإعداد امتحان اللغة العربية في تونس. وهوخلل راسخ في مدى اتساق منظومات التعليم والتقويم والمناهج . وأوضح السديري أن مصمّمي منهج اللغة العربية في تونس لم ينجحوا الى حد اليوم في وضع مقاييس دقيقة في تقويم أداء التلاميذ.إذ لا توجد إلى اليوم مقاييس كميّة أو نوعية تحدد بشكل جلي المخرجات المتوقع تحقيقها مع نهاية مرحلة التعليم الثانوي وسبل تقويمها وفقا لمنهجية علمية واضحة. وبالتالي، فإن الخلاف الذي وقع ليس بالأمر الجديد. وسيتكرر في السنوات القادمة ما لم تتم إعادة النظر في المسائل المتعلقة بوضع الأسئلة وتقويم أداء التلاميذ. وأضاف عماد بن عبدالله أنه لا يمكن فصل عملية تقويم أداء التلاميذ التونسيين في مادة اللغة العربية عن منهج اللغة العربية. إذ لا يتضمّن هذا المنهج معايير دقيقة تحدد ما هو متوقّع من التلميذ التونسي مع نهاية التعليم الثانوي. وعليه، فإن مثل هذه الخلافات لا يتم -عادة- حلها وفق أسس علميّة قائمة على الأدلة والبراهين، لغياب هذه الأسس المرجعية في المناهج الرسمية الخاصة بمادة اللغة العربية. بل غالبا ما يتم فرض صوت الجهة التي لها سلطة إدارية أعلى والتي تعتقد أنها تمتلك المعرفة. وحتى أكون دقيقا أكثر، يقول الخبير الدولي في التربية، من الأهمية بمكان أن يدرك الساهرون والمؤتمنون على تطوير مناهج مادة اللغة العربية في جميع المراحل التعليمية في بلادنا أنها مناهج غير مواكبة وغير متسقة مع تجارب دولية رائدة في هذا المجال، من حيث المضمون وتسلسله وتدرّجه ومعايير تقويم أداء التلاميذ، وبخاصة في مهارة الكتابة. ومن تعمّق في دراسة بعض التجارب الدولية غير العربيّة، وبخاصة ما يتعلّق بتدريس اللغة الأولى، يدرك لا محالة أن منهج اللغة العربية في تونس قد تم تصميمه وتنفيذه دون الاعتماد على أسس علميّة وبحثية دقيقة. وطالما افتقدنا هذه الأسس العلمية والبحثية الدقيقة، فإن هذه الخلافات الناتجة عن اجتهادات شخصية بحتة ستتكرر دوما. وبطبيعة الحال، سيكون الضحايا، كما عوّدتنا دوما المنظومة التربوية التونسية، التلاميذ التونسيين. السيدة سلوى العباسي ( متفقدة تعليم ثانوي) انتقدت بدورها ما وصفته «بالكارثة «(في إشارة الى النتائج الكارثية لمادة العربية في امتحان الباكالوريا ) مؤكدة أن العربية بدأت فعلا تفقد رشدها وصوابها. وتترنّح تحت وقع الضربات الموجعة القاسية لجزاء لا يرحم وقد أصبح كاشفا للحقائق المؤلمة، معريّا لواقع تدريس هذه المادّة قبل تقييمها وهندسة امتحاناتها . وأوضحت العباسي أن امتحانات العربية لهذه السّنة والسنة التي سبقتها أظهرت فشلا في جوانب مختلفة تعلّقت بالمواضيع من جهة الصّوغ ونوعيّة الطّرح ودرجة الوجاهة والمواءمة وقابليّة الإنجاز ومقبولية الإصلاح والتقييم، مهما دافع مسؤولون عن ذلك وتخفوا وراء حجج وذرائع واهية . ومردّ ذلك أسباب تعود إلى سياسة الإدارة العامّة للامتحانات من جهة (التعليب والتصفيح وسلامة الظرف قبل وجاهة المظروف ومقاومة ظاهرة الغشّ والتسريب قبل الحرص على جودة الامتحانات شكلا ومضمونا، معايير اختيار أعضاء اللجان ومدى حاجتهم إلى هيئة رقابة من المدقّقين وإلى تمتين الّصلة مع واقع تدريس العربيّة وسائر المواد ومع طبيعة النتائج المدرسية ومتغيّراتها الكميّة والنوعيّة...). كلّ هذا تضيف سلوى العباسي، فاقم من أزمة امتحانات المادّة ونوعيّة نواتجها في محطّة الباكالوريا التي قد تختلف كثيرا عما تفرزه محطّتا السادسة والتّاسعة من التّعليم الابتدائي والإعدادي من نتائج ذات أرقام مفزعة أسهمت في إماطة اللثام عن إشكالات حقيقيّة تتطلب المصارحة فالمكاشفة فالدّرس المتأنيّ ثم إيجاد البدائل والحلول العاجلة فالآجلة. تقادم البرامج وقد تعود أزمة امتحانات العربية في معظمها وفق محدثتنا، إلى تقادم البرامج واستنفادها المعنى والقيمة وقصورها عن مواكبة التطوّرات والمستجدّات في حقل تعليم اللغات بعامّة وفي تعليميّة العربية لغة أولى بوجه خاصّ. وهي من أبرز دواعي لجوء مصمّمي الاختبارات من أساتذة ومتفقّدين وجامعيين إلى المتروك المهمل والهامشيّ المغفل والجزئيّ المخفيّ عن الأعين وعمّا استهلك من المواضيع والنّصوص. وهذا يخرق أفق انتظار المدرّسين والمتعلّمين ويخلق المفاجآت غير السّارة والتوقّعات المغلوطة لما يمكن أن يرد وما لا يرد على عكس المتون المدرسية المتداولة والأدبيات المنشورة نشرا ورقيا ورقميا على المواقع الالكترونية وغيرها. ينضاف إلى ذلك غياب المعيرة ورجرجة المصطلحات والمفردات وعدم ثبات المقاييس بين دورة وأخرى وظهور طفرات في معطيات المواضيع ومطاليبها وصيغ طرحها ونوعية أسئلتها وحلول أجوبتها وذلك نتيجة غياب إطار مرجعيّ وطنيّ ناظم يصهر الممارسات التعليميّة التعلّمية وأجهزتها البيداغوجية التقويمية في رؤى موحّدة تعطي ما يمكن نعته بدليل تقييمات العربية من التعليم والتكوين إلى الجزاء. حلول وإصلاحات ومن الحلول المفروضة على وزارة التربية وإداراتها وفق متفقدة التعليم الثانوي، أن تولي مسألة التسريع في إصلاح برامج العربية وبناء مناهجها الأولية القصوى. ويكون ذلك الآن وليس غدا، وبتوسعة رقعة المشاركين من شتى الأسلاك والتخصصات دون فصل تعسفي بين المراحل والعتبات . والأهمّ إعادة النّظر في ماهية امتحانات العربية من الابتدائي إلى التاسعة إلى الثانوي ومراجعة مواصفات جودتها ونجاعتها ومعايير جزائها ( إمكانية إدراج دراسة النصّ في التاسعة والآداب بديلا عن الإنشاء والمقال والتحليل الأدبي دون سواها، وإعادة الاعتبار إلى اختبار المطالعة والشفوي والتقييم بالملف المهاري والمشروع، والاختبار متعدّد الأسئلة في النحو والصرف والبلاغة والمعجم والعروض والثقافة الأدبية الموسوعية والترجمة مع ترك هامش التخصّص المعمق في المسائل النقديّة المعقّدة للتعليم الجامعي والبحث الأكاديمي) .