فما عساه يبقي للثورة بعد ذلك؟ وماذا بوسعها أن تحقق من أهدافها التي قامت من أجلها ،لم يكن الوصول للسلطة من أجل السلطة لذاتها والحزب الذي ناضل عشرات السنين ودفع مئات من الشهداء على طريق نضاله. كان القلق يتصاعد في نفسه يوما بعد يوم وكل ساعة بل كل لحظة تحمل الى نفسه مخاوف جديدة على الثورة ومصيرها (أم عدي) تنظر الى وجهه وتتعجب تقول له "انتم قمتم بالثورة ولكن وجهك ليس وجه منتصر ماذا بك؟" ولكنه يتخلص من الرد و لا يعلق بشيء وعندما يخرج من باب بيته يلقاه جاره فيسأله بطريقة عفوية (ابو عدي) يقولون مشبوه عبد الرزاق النايف هذا (وهو يتجاهل السؤال ولا يرد). ولكن حتى متى؟وما هو الضمان في أن (الآخرين) الدخلاء والمتطفلين وأذنابهم لا يفكرون الآن ويدبرون امورهم للخلاص من اصحاب الثورة الحقيقيين؟ ان الزمن في خدمة المبادر وان لم تبادر الثورة فلسوف يبادر اعداؤها حتما. وحينذاك، من يستطيع ان يغسل يديه من الدم ويقتلع من قلبه اشواك الندم وهو يواجه تاريخا لا يرحم. اثنا عشر يوما لم ينم فيها إلا نوما متقطعا قلقا سرعان ما كان يفيق منه ويفتح عينيه في الليل وكأنه يحاول ان يزيح من امامهما كابوسا في منامه تلك كانت من أقسى أيام حياته. لا لم يعد ثمة معنى للانتظار أكثر من ذلك. خرج مبكرا من بيته في الصباح وطلب عقد اجتماع للقيادة القطرية وبعد فترة قصيرة كان كل اعضاء القيادة يجلسون في اماكنهم فيما عدا الرئيس احمد حسن البكر الذي كان منصبه الجديد يحول دون خروجه من القصر في ذلك الوقت وفيما عدا ايضا عزت مصطفى وعبد الله سلوم..اللذين سافرا الى القاهرة قبل قيام الثورة وعندما عرفا بتوقيتها بعد ان زعم كل منهما ان لديه عملا هناك لا يستطيع ان يؤجله. كان اجتماعا قصيرا لم تتردد فيه سوى بضع كلمات قليلة وحاسمة قال لهم صدام حسين - انني لم اجتمع بكم يا رفاق لكي نعيد مناقشة القرار الذي اتخذناه في اليوم السابق على الثورة بشأن تصفية عبد الرزاق النايف فهذا القرار، لا يناقش ولكنني اردت فقط ان اقول لكم انه قد حان الوقت والمسألة تعتمد على الجانب الفني السريع..) قالوا : اننا موافقون تماما واختر الوقت الذي تراه مناسبا قال : غدا هو الوقت المناسب. وانفض الاجتماع السريع الطارئ. بعد الاجتماع بدأ يتصل بمجموعة من الرفاق يثق بهم شخصيا ويطلب اليهم التواجد في القصر الجمهوري غدا قبل الظهيرة وكان من بينهم برزان. جعفر الجعفري و سعدون شاكر وصلاح صالح وكامل ياسين وعجاج الاحمد الهزاع. ثم اتصل بحراسة الباب الخارجي للقصر وطلب منهم ان يسمحوا لهم بالدخول في الموعد المحدد. ومرت ليلة بطيئة ثقيلة كأنها تحمل فوق كل لحظة من لحظاتها جبلا من الصخر و ما كادت شمس الثلاثين من جويلية، تبزغ حتى كان صدام حسين يتهيأ للتوجه نحو القصر ودخل على الفور الى مكتب رئيس الجمهورية الرفيق احمد حسن البكر وعرض عليه ما تم في اجتماع القيادة فوافق على قرار القيادة وشرح له صدام الخطوط العريضة لما سوف يحدث بعد تناول طعام الغداء في هذا اليوم. كان طعام الغداء يومها غزالا مشويا ذبحه حماد شهاب وجلبه الى القصر..ولكن قبل ان يدخلوا الى غرفة الطعام توقف صدام حسين مع حماد شهاب..قليلا وانتحى به جانبا وقال له :ابو رعد (هذه المسألة...ستتم اليوم...اليوم سأتخلص من هؤلاء) قال ابو رعد وهو يضحك : هل ضبطت الامور كلها؟ قال ابو عدي: (كل شيء قد ضبط)... ثم نظر في عينيه نظرة مباشرة وقال سريعا في حسم : عندما نخرج من غرفة الطعام وتراني ادخل الى مكتب الرئيس لا تدخل انت ليس لك حاجة بها. توجه الى اللواء المدرع العاشر على الفور وطوق القصر ادخل رعيل الدبابات الى داخل السياج الخارجي للقصر لان عبد الرزاق النايف لا ينبغي ان يفلت فإذا حاول الافلات سأقتله ومن المحتمل ان تحدث مضاعفات ونقتل نحن هنا فوحدات القصر تدين كلها بالولاء له. بما في ذلك الحراسات الداخلية في القصر بالإضافة إلى حراسه الشخصيين وهم اثنا عشر حارسا مسلحا بالرشاشات يحيطون به. فإذا حدثت تلك المضاعفات وقتلنا هنا فانك تستطيع انت ومن يتبقى من الحزب ان تتسلموا السلطة وتتوكلوا على الله. يتبع