كان حمّاد شهاب قائد اللواء المدرع العاشر الذي يعتبر بمثابة (كرة الحديد) في يد الجيش، وفي ذلك اللواء كان لحزب البعث عدد من الرفاق الضباط والأصدقاء وكان آمر اللواء نفسه (حماد شهاب) غير بعيد في علاقاته الشخصية من بعض قادة الحزب وعلى رأسهم : احمد حسن البكر وصدام حسين. ولكنه عندما فوتح في أمر الثورة تردد كثيرا وكان يحكمه في ذلك اعتبار أخلاقي يضعه فوق كل اعتبار، وهو أنه تعهد لعبد الرحمن عارف بأن يكون إلى جانبه في حالة قيام أية حركة ضده. وفي كل مرة كان احمد حسن البكر يثير معه قضية المشاركة في الثورة كان يرد عليه بنفس الرد ولكن صدام استأذن رفيقه البكر في أن يناقشه بنفسه وذهب إليه بالفعل وطرح معه القضية بطريقة حاول بها أن يخلصه من حرجه الأخلاقي قال له «ابو رعد ترى لماذا لا توافق على المشاركة؟» انت قلت له – يقصد عبد الرحمن عارف – انا معك ولكن لماذا لا تكون مع الشعب العراقي هذا الذي اهين وتمزق ويخضع للإذلال كل يوم؟ ألا تستحق كرامة هذا الشعب وتاريخه ومستقبله كطاقة ثورية في خدمة الأمة العربية بعدما اصابها من اندحار شنيع في الخامس من حزيران(جوان، نكسة 1967)، ان تتخلى عن التزامك به الذي قطعته على نفسك؟ ثم ان هناك فارقا بين التزام والتزام وخصوصا عندما يتخلى الطرف الآخر عن التزامه بالقيم السامية والمثل الشريفة فأين هو التزام عبد الرحمن عارف بهذه القيم والمثل؟ ومع ذلك فنحن من أجل هذا الوعد الذي قطعته له سوف نبقي عليه حيا ولن نمسه بسوء يكفينا شره فقط ويلقي هذه العصا من يده ويتخلى عن السلطة حتى تأخذ الامور مجراها الطبيعي وتملك الثورة طريقها ما رأيك اذن يا أبا رعد؟ نظر اليه حماد شهاب وقال له :هل تعطيني وعدا أكيدا بألا يقتل عبد الرحمن عارف؟ قال له صدام حسين : هذه كلمة رجال يا أبا رعد...وعاد صدام بعدها و أخبر رفيقه البكر بأن حماد شهاب قد وافق وان اللواء المدرع العاشر سيأخذ مكانه ضمن خطة الثورة في يوم التنفيذ مع الالتزام بالوعد الخاص بالحفاظ على عبد الرحمن عارف حيا. وكان دخول هذا اللواء ضمن خطة التنفيذ عاملا اساسيا في نجاحها، فكُرة الحديد سوف تكون في النهاية هي الأقدر على الحسم، وكان هذا اللواء يعسكر في منطقة يقال لها (الوروار) بعيدا عن بغداد وتم الاتفاق على ان يتحرك هذا اللواء عند تبليغه بموعد الثورة متجها صوب العاصمة ليحيط بها كما يحيط بالمعصم السوار. غير أن صدام حسين في لحظة من لحظات الشفافية والتنبؤ بما يمكن ان يحدث في المستقبل ادرك انه من الممكن ان يحاول طرف من الاطراف الذين تتحالف معهم قوى الثورة تحالفا مؤقتا ان يحاول إبعاد هذا اللواء عن بغداد. تحت حجة أن الثورة نجحت، وان عليه ان يعود الى مواقعه الأولى بعد انفضاض الحاجة اليه ويكون ذلك إيذانا بحركة مضادة من جانبهم للاستيلاء على الثورة. فأسر في أذن الرفيق البكر ان يجري التشديد في التنبيه على اللواء المدرع العاشر بضرورة التقدم نحو بغداد حتى لو بلّغه طرف أو آخر بأن الثورة نجحت وان عليه ان يعود الى سابق موقعه ولعله كان إدراكا مبكرا لما سوف يجري شبيها بالإلهام فلسوف تتحقق (النبوءة) بعد يوم واحد كما حدسها. كل شيء اصبح منتهيا الآن الخطة جاهزة للتنفيذ و الرفاق مستعدون. ساعة الصفر تحددت والأوامر على وشك ان تصدر من القيادة بالبدء في التنفيذ بعد ساعات قليلة. ولكن جرس الباب دق، وذهب احمد حسن البكر ليرى من يدق الباب في هذه اللحظة شديدة الحرج والخطورة، ثم يعود لهم بعد برهة وقد بدأ على وجهه القلق العنيف والتعب النفسي البالغ حاملا بيده رسالة طرحها امام اعضاء القيادة المجتمعين وهو يقول :اسمعوا هذه الرسالة التي جاء بها (احمد مخلص) الضابط بالاستخبارات العسكرية: (أخي ابو هيثم) بلغني انكم ستقومون بثورة بعد ساعات تمنياتي لكم بالتوفيق وأتمنى أيضا أن أشارككم...التوقيع عبد الرزاق النايف مدير الاستخبارات العسكرية. يتبع