التعديلات التي اُجريت على قانون الانتخابات، ولئن كانت ذات بُعد سياسي، وخارج منطق التعديل التقني للنص القانوني، فإن سوء صياغتها وتضمنها لمفاهيم فضفاضة يمكن ان يجعل منها فخّا تقع فيه أغلب الأحزاب السياسية، حتى من صوّت لصالح تمريرها. تونس الشروق: لا يمكن أن ننفي أن التعديلات الأخيرة التي طالت قانون الانتخابات ، كانت بخلفيات سياسية وعلى «المقاس»، وهو ما جعل أغلب الخبراء في القانون الدستوري يؤكدون انها غير دستورية وان الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين ستسقطها، لكن خارج سياق مدى دستورية هذه التعديلات ودوافع اجرائها، يبقى مضمونها مثيرا للجدل خاصة وانها تفتقر للحبكة. القيام او الاستفادة من الاشهار السياسي لئن كان المراد من التعديلات إخراج عدد من الشخصيات السياسية التي برزت مؤخرا في سبر الآراء واقصاءها من سباق الرئاسيات، إلاّ أن مرونتها والمفاهيم الفضفاضة التي تضمنتها يمكن ان تنقلب على واضعيها وتصبح سلاحا ضدهم بعد ان حاولوا استعمالها ضد خصومهم ومنافسيهم . الفصل 20 مكرر الذي تمت اضافته للقانون الانتخابي ينص على ان «لا يقبل الترشح للانتخابات التشريعية لكل شخص أو قائمة تبين للهيئة قيامه أو استفادته خلال الاثني عشر شهرا التي تسبق الانتخابات بأعمال تمنعها الفصول 18 و19 و20 من المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية، على الأحزاب السياسية أو مسيريها أو تبين قيامه أو استفادته من الإشهار السياسي كما يعرفه الفصل 2 من المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011.وتقرر الهيئة إلغاء نتائج الفائزين في الانتخابات التشريعية إذا ثبت لها عدم احترامهم لأحكام هذا الفصل. وتتخذ الهيئة قرارها بناء على ما يتوفر لديها من اثباتات، بعد الاستماع الى المعنيين بقرار رفض الترشح أو الغاء النتائج. وتكون قراراتها قابلة للطعن أمام القضاء وفق الإجراءات المنصوص عليها بهذا القانون.» الانسحاب على أسماء أخرى هذا الفصل قُدّ على مقاس صاحب قناة نسمة نبيل القروي الذي يعتزم خوض غمار الانتخابات التشريعية وانطلق في تشكيل بعض القائمات،إضافة إلى رئيسة جمعية «عيش تونسي» ألفة التراس، التي تعتزم أيضا خوض غمار الانتخابات التشريعية وتشكيل قائمات انتخابية، لكن التدقيق في بعض المفاهيم التي تضمنها تحيل إلى إمكانية تطبيقه على حزب حركة النهضة، فالحركة مستفيدة من الاشهار السياسي الذي حصل مؤخرا خاصة في شهر رمضان عندما قامت جمعيات تركية بتوزيع مساعدات على عدد من المواطنين في مختلف انحاء الجمهورية، وأثناء توزيع هذه المساعدات كان قيادات حركة النهضة حاضرين إضافة إلى شعارها. هذا الفصل يمكن ان ينسحب أيضا على عدد من الأحزاب الأخرى «بالقيام « او « الاستفادة»، حيث قامت قياداتها بتوزيع مساعدات إنسانية او شاركت في حملات خيرية ،ومنها حتى حزب تحيا تونس وهو اكثر الأحزاب إصرارا على تمرير هذه التعديلات، وهو ما سيجعلها خارج السباق الانتخابي . هذا الحضور في حملات توزيع المساعدات يجعل من حركة النهضة معنية بهذا الفصل وهو ما يمكن ان يمنعها بشكل عام أو يمنع بعض قياداتها بشكل خاص من المشاركة في الانتخابات التشريعية. الانتخابات الرئاسية أما الفصل 42 مكرر الذي تمت إضافته للقانون الانتخابي والذي ينص على ان « لا يُقبل الترشح للانتخابات الرئاسية لكل شخص تبين للهيئة قيامه أو استفادته خلال السنة التي تسبق الانتخابات بأعمال تمنعها الفصول 18 و19 و20 من المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية، على الأحزاب السياسية أو مسيريها، أو تبين قيامه أو استفادته من الإشهار السياسي كما يعرفه الفصل 2 من المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011. وتقرر الهيئة إلغاء نتائج الفائزين في الانتخابات الرئاسية إذا ثبت لها عدم احترامهم لأحكام الفصول 40 إلى 42 مكرر من هذا القانون. كما تقرر الهيئة إلغاء نتائج الفائزين في الانتخابات اذا ثبت لها عدم احترامهم لأحكام هذا الفصل... « فيمكن ان يتم تطبيقه على شخصيات أخرى باستثناء نبيل القروي وألفة التراس. إذا قرّرت حركة النهضة اختيار مرشح للانتخابات الرئاسية من داخلها والقطع مع موقف الحياد في هذا الموعد الانتخابي او دعم مرشح مستقل، فإنّ هذا المرشح يمكن ان يجد نفسه خارج العملية الانتخابية باعتبار ان حركة النهضة استفادت أيضا من الاشهار السياسي عبر الجمعيات المقربة منها، وهو ما يجعل مرشح النهضة مشمولا بمضمون هذا الفصل . تمجيد ممارسات انتهاك حقوق الانسان أما الفصل 20 مكرّر والذي ينص على أن «ترفض الهيئة ترشحات كل من يثبت لديها قيامه بشكل صريح ومتكرّر بخطاب:لا يحترم النظام الديمقراطي ومبادئ الدستور والتداول السلمي على السلطة ويهدد النظام الجمهوري ودعائم دولة القانون - أو يدعو للعنف والتمييز والتباغض بين المواطنين - أو يمجد ممارسات انتهاك حقوق الانسان» فتتفق كل الآراء على انه على مقاس رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي خاصة في علاقة بتصريحاتها التي تتضمن تمجيدا للمنظومة السابقة. «تمجيد ممارسات انتهاك حقوق الانسان « والتي من المفترض ان تنطبق بشكل دقيق على عبير موسي، يمكن ان تنطبق أيضا على أغلب الأحزاب والعائلات السياسية في تونس، فالاسلاميون الذين يمجّدون أنظمة سياسية على غرار النظام القطري والتركي، مشمولون حسب تأويلات لهذا الفصل، والقوميون الذين مجّدوا نظام الراحل صدام حسين والراحل معمر القذافي ويمجدون حاليا النظام السوري مشمولون بهذا النص وفق تأويلات خصومهم، والمنتمون للعائلة الديمقراطية التقديمة وأغلبهم مجّد نظام السيسي في مصر ويدعّم حاليا خليفة حفتر في ليبيا يشملهم هذا النص أيضا حسب قراءة من خصومهم لاستبعادهم .. وهو ما يجعل أغلب الأحزاب السياسية مهدّدة بأن تكون خارج اللعبة الانتخابية. الطعن في دستورية مشاريع القوانين قدّم أكثر من 50 نائبا طعنا في دستورية مشروع القانون المنقّح للقانون الانتخابي ومن المنتظر ان تنظر الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في هذا الطعن وتعلن قرارها قريبا . الحكومة تعلم عبير موسي بأنّها ليست معنية بتنقيحات القانون الانتخابي أكّدت رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي أمس الثلاثاء تلقّيها مكالمات هاتفية قالت إنّها تضمّنت تطمينات بأنّ تنقيحات القانون الانتخابي لا تشملها، مبرزة أنّ المهاتفات وصلتها من أشخاص تابعين لرئيس الحكومة يوسف الشاهد وينتمون إلى حزب التجمع سابقا. وقالت موسي في تصريح اذاعي:»أبلغوني بأني لست مشمولة وأنّه بإمكان التعديل المتعلّق بتمجيد الدكتاتورية أن يشمل حتى الزعيم الحبيب بورقيبة… وكلنا بورقيبيون، أرادوا إقناعي بأني لست مشمولة بهذه التنقيحات… تمّ حذف عبارات تمجيد الدكتاتوريات والإرهاب من النسخة الثانية من التعديلات إثر الهبة الدستورية والحقوقية التي رافقت النسخة الأولى». وشدّدت موسي على أنّ تقديم نسخة ثانية من تعديل القانون الانتخابي جاء نتيجة خوف من الرأي العام الذي سيتهم جهة المبادرة بإقصاء منافس سياسي حقيقي، مشيرة إلى أنّ الخطر في تنقيح القانون الانتخابي يكمن في العبارات الفضفاضة التي يمكن لكلّ تفسيرها حسب موقفه، حيث يُمكن لطرف ما اعتبار نفس العبارة تمجيدا للدكتاتورية في حين يراها آخر حرية تعبير.