كشفت الوعكة الصحية الأخيرة التي أصابت رئيس الجمهورية عن تمسك جل التونسيين بالاستقرار السياسي وعن نبذ كل أشكال التقلبات السياسية الطارئة والميل أقصى ما يمكن إلى الانتقال السلمي للسلطة. تونس الشروق: منذ الإعلان يوم الخميس عن خبر تعرض رئيس الجمهورية إلى "وعكة صحية حادة"، بدا واضحا أن حالة من الارتباك والمخاوف دبّت في الشارع التونسي ولدى الرأي العام بمختلف مكوناته من مواطنين عاديين وسياسيين وغيرهم. ومردّ ذلك أساسا الخوف من الخروج من حالة الاستقرار السياسي إلى وضعية المجهول خاصة بعد وابل التحاليل والاستنتاجات طيلة يوم الخميس حول مسألة "شغور" منصب رئيس الجمهورية وحول الحل الدستوري الذي قد يقع اللجوء إليه في ظل حالة الاختلاف وعدم الوضوح التي سادت. كابوس «الشغور» كامل يوم الخميس، تحولت عبارة "الشغور" إلى ما يُشبه الكابوس المخيف بالنسبة للتونسيين. حيث استحضر الجميع ما حصل من فوضى يوم 14 جانفي 2011 عندما غادر رئيس الجمهورية السابق بن علي البلاد. وتم إعلان شغور منصبه. وعمّت المخاوف بسبب الانفلات الأمني الذي حصل آنذاك وبسبب حالة التردد والارتباك داخل القصر الرئاسي حول الحل الدستوري الذي سيقع تطبيقه إما الفصل 56 من الدستور (تولي الوزير الاول المنصب) أو الفصل 57 (تولي رئيس مجلس النواب المنصب). الانتقال السلمي للسلطة بشهادة عديد الملاحظين، فإن ما حصل يوم الخميس أكد بما لا يدع مجالا للشك أن شقا كبيرا من التونسيين أصبح يميل إلى الاستقرار في كل المجالات (الامني والسياسي والاجتماعي) وخاصة الى تمشي التداول السلمي على السلطة الذي دأبت عليه تونس منذ الاستقلال. حيث لم تشهد البلاد في تاريخها تقلبا سياسيا أو حالة فوضى أو إراقة دماء بسبب نقل السلطة. وهو ما حصل خاصة خلال السنوات الأخيرة (انتقال السلطة مباشرة بعد الثورة بطريقة سلمية – انتقال السلطة سلميا بعد انتخابات المجلس التأسيسي – انتقال السلطة سلميا بعد الحوار الوطني مطلع 2014- انتقال السلطة سلميا بعد انتخابات 2014 – انتقال السلطة بمناسبة تغيير رؤساء الحكومات..). وهناك من اعتبر أيضا أن ما حصل يوم 7 نوفمبر 1987 كان بدوره انتقالا سلميا للسلطة من بورقيبة الى بن علي لأنه تم وفق الدستور. ولم يكن متبوعا بفوضى أو بإراقة الدماء.. وضع حساس كل ذلك جعل التونسيين يوم الخميس الماضي يتمنون أن تمرّ بسلام حالة الارتباك التي تسبب فيها خبر الوعكة الصحية الحادة لرئيس الجمهورية. وأعلنها الجميع صراحة بالقول إن الأفضل بالنسبة للبلاد اليوم أن تنتهي الأشهر المتبقية من العهدة النيابية لمنظومة الحكم الحالية في ظروف عادية وأن يقع إجراء الانتخابات في تاريخها حتى تتواصل مسيرة الانتقال السلمي للسلطة التي ميزت تونس عن عديد الدول منذ الاستقلال الى اليوم. فالتونسيون لم يعودوا قادرين على تحمل أي شكل من أشكال الفوضى والارتباك على المستوى السياسي خصوصا أن البلاد أصبحت في الفترة الأخيرة على صفيح ساخن بسبب الصراعات السياسية الدائرة وبسبب خطر الارهاب وأيضا بسبب المخاطر المحدقة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. وبالتالي لا يمكنها تحمل أي انخرام سياسي أو على مستوى منظومة الحكم بسبب شغور أي منصب من مناصب منظومة الحكم لأن ذلك سيزيد الاوضاع تفاقما. وقد يفتح الباب على مصراعيه أمام تزايد الارهاب وأمام التكالب غير السلمي على السلطة وخاصة أمام مزيد تدهور الوضع المعيشي للناس نتيجة تدهور الاقتصاد. استقرار سياسي وانتقال سلمي للسلطة منذ الاستقلال منذ الاستقلال إلى اليوم لم تمرّ تونس بفترة فراغ على مستوى السلطة. وهو ما جعل الوضع السياسي مستقرا على مدى أكثر من 60 عاما. وجعل نقل السلطة يتم في كنف الهدوء والسلم أكثر من مرة. وفي ما يلي محطات الانتقال السلمي للسلطة في تونس: 25 جويلية 1957 : المجلس القومي التأسيسي يعلن إلغاء الملكية واختيار الحبيب بورقيبة ليكون رئيس الجمهورية. 7 نوفمبر 1987: زين العابدين بن علي يفعل الفصل 57 من الدستور. ويتولى رئاسة الجمهورية بدل الحبيب بورقيبة. 15 جانفي 2011: المجلس الدستوري يُفعّل الفصل 57 من الدستور. ويكلف رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع بمهام رئيس الدولة. 12 ديسمبر 2011 : المجلس الوطني التأسيسي ينتخب منصف المرزوقي رئيساً للجمهورية. 30 ديسمبر 2014: : الباجي قائد السبسي يتولى رئاسة الجمهورية بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية. وفي الأثناء شهدت تونس مظاهر أخرى للانتقال السلمي للسلطة على مستوى رئاسة الحكومة : مطلع 2011 من محمد الغنوشي الى الباجي قائد السبسي وموفى 2011 من قائد السبسي الى حمادي الجبالي وفي 2013 من الجبالي الى علي العريض وفي جانفي 2014 من العريض الى مهدي جمعة وفي فيفري 2015 من جمعة الى حبيب الصيد وفي أوت 2016 من الصيد الى يوسف الشاهد.