كثر الجدل واللغط هذه الأيام على خلفية الوعكة الصحية لرئيس الدولة وما أثاره غياب محكمة دستورية تتولى البتّ في مآلات انتقال السلطة لو حدث شغور مؤقت أو دائم لا قدر الله. «الشروق التقت الدكتور عبد الله الأحمدي لتسليط الضوء على الأحكام الدستورية المنظمة لحالة الشغور في منصب رئيس الجمهورية. من يتولى رئاسة الجمهورية في صورة حدوث شغور في هذا المنصب؟ تعرّض الدستور لهذه الصورة بالفصول 83 و84 و85 و86 منه ويجب التمييز بين صورتين هما الشغور الوقتي والشغور النهائي. 1/ عندما يتعذر على رئيس الجمهورية القيام بمهامه بصفة وقتية يمكنه ان يفوض سلطاته الى رئيس الحكومة لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوما قابلة للتجديد مرّة واحدة وفي هذه الحالة يجب على رئيس الجمهورية ان يعلم رئيس مجلس نواب الشعب بتفويضه المؤقت لسلطاته لرئيس الحكومة. 2/ في صورة الشغور الوقتي لمنصب رئيس الجمهورية لأسباب تحول دون إمكانية تفويضه سلطاته فان المحكمة الدستورية تجتمع فورا وتقر الشغور الوقتي ثم يحل رئيس الحكومة محل رئيس الجمهورية لمدة لا تتجاوز ستين يوما. 3/ إذا تجاوز الشغور الوقتي مدة ستين يوما او في حالة تقديم رئيس الجمهورية استقالته كتابة الى رئيس المحكمة الدستورية او في صورة الوفاة او العجز الدائم او حصول شغور نهائي لأي سبب كان فان المحكمة الدستورية تكون مدعوة الى عقد اجتماع فورا وتقر الشغور النهائي ثم تبلّغ ذلك الى رئيس مجلس نواب الشعب وهو الذي يتولى فورا مهام رئيس الجمهورية مؤقتا لمدة لا تقل عن خمسة وأربعين يوما ولا تزيد عن تسعين يوما. 4/ على القائم بمهام رئيس الجمهورية في صورة الشغور النهائي أداء اليمين الدستورية امام مجلس نواب الشعب وعند الاقتضاء امام مكتبه او امام المحكمة الدستورية في صورة حل المجلس على ان القائم بمهام رئيس الجمهورية اثناء الشغور الوقتي او النهائي لا حق له في المبادرة باقتراح تعديل الدستور او اللجوء الى الاستفتاء او حل مجلس نواب الشعب. 5/ اثناء المدة الرئاسية الوقتية يتم انتخاب رئيس جمهورية جديد لمدة رئاسية كاملة كما لا يمكن تقديم لائحة لوم ضد الحكومة وذلك طبق الفقرة الأخيرة من الفصل 86 من الدستور. ما هو دور المحكمة الدستورية في صورة حدوث شغور في منصب الرئاسة؟ ان دور المحكمة الدستورية أساسي في هذه الحالة فهي التي في صورة حدوث شغور وقتي تجتمع لإقرار حصول هذا الشغور كما انه عندما يقرر رئيس الجمهورية الاستقالة من منصب الرئاسة فانه يتولى تقديم الاستقالة كتابة الى رئيس المحكمة الدستورية كما انه في صورة حصول الوفاة او العجز الدائم او حدوث أي سبب من أسباب الشغور النهائي فان المحكمة الدستورية هي المؤهلة دون سواها لتقر الشغور ثم تعلم بذلك رئيس مجلس نواب الشعب ومن ناحية أخرى فان من يتولى القيام بمهام رئاسة الجمهورية في صورة الشغور النهائي ان يؤدي اليمين الدستورية امام المحكمة الدستورية في صورة حل مجلس نواب الشعب. من المعلوم انه لم يقع الى حد الان إرساء المحكمة الدستورية وفي هذه الحالة من يقوم مقامها في صورة حدوث الشغور في منصب الرئاسة؟ لم يتعرض الدستور لهذه الوضعية اذ ان واضعيه ربما لم يتصوروا هذه الحالة مما ولّد فراغا كبيرا له تداعيات هامة على مؤسسات الدولة وخاصة الدستورية منها باعتبار ان المحكمة الدستورية هي من أبرز المؤسسات الدستورية التي جاء بها الدستور الجديد وخصّص لها الفصول 118 الى 124 منه ولها دور كبير في صورة حدوث الشغور في منصب الرئاسة. وفي اعتقادنا ان عدم تكوين محكمة دستورية الى حد الان رغم مرور ما يقارب الخمس سنوات على إقرارها في الدستور الجديد هو تقصير كبير من قبل مجلس نواب الشعب الحالي ولن يغفر له الشعب هذا التقصير الخطير في حقه لما في ذلك من تداعيات هامة على سير دواليب الدولة خاصة وان الكتل النيابية بمجلس نواب الشعب صادقت على عدة قوانين ومنها بالخصوص التي تخدم مصالح الاحزاب التي تنتمي اليها كما انها توافقت على عدة قوانين اقل أهمية من عملية اختيار أعضاء المحكمة الدستورية نظرا لعدم اتفاقها على اختيار أعضاء المحكمة رغم ان بلادنا تعج بكفاءات عالية في القانون وتتمتع بالنزاهة والحياد والوطنية. هل يمكن للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين ان تحل محل المحكمة الدستورية وتقوم بالمهام المسندة لها في صورة شغور منصب الرئاسة؟ في اعتقادي انه لا يمكن وذلك لعدة أسباب من أهمها ان الدستور اسند صلاحيات معينة للمحكمة الدستورية دون سواها في صورة الشغور في منصب رئاسة الجمهورية ومن ناحية أخرى فان القانون عدد 14 لسنة 2014 المؤرخ في 18/04/2014 والمتعلق بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين ضبط على سبيل الحصر المهام المسندة لها والمتمثلة أساسا في مراقبة دستورية مشاريع القوانين المصادق عليها من قبل مجلس نواب الشعب وليس لها ان تتعاطى غير هذه المهمة المتمثلة أساسا في اجراء تلك المراقبة والنظر في الطعون المرفوعة ضد مشاريع القوانين المصادق عليها كما ان هذه الهيئة ليست محكمة بل هي هيئة وقتية تم احداثها في انتظار تكوين المحكمة الدستورية الامر الذي لم يتم الى حد الان مما أدى الى هذا الفراغ والذي قد يترتب عنه مسائل دستورية معقدة في صورة حدوث شغور لا قدّر الله قبل تكوين هذه المحكمة. وما هو الحل لهذه العقدة والمخرج من مأزق غياب محكمة دستورية وعدم اختصاص الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين؟ لا وجود لحل مثالي سالم من المآخذ ومقبول من الناحية الدستورية مادام الدستور هو الذي نظّم الإجراءات والأحكام في صورة حدوث شغور في منصب الرئاسة وخصّ حصريا المحكمة الدستورية بصلاحيات في هذه الحالة. وخاصة في ما يتعلّق بمعاينة وإقرار حصول الشغور. وقد اقترح البعض تنقيح القانون المتعلق بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القانون وذلك بالتوسيع في مهام هذه الهيئة وتمكينها من الصلاحيات الممنوحة للمحكمة الدستورية في صورة حصول الشغور. وفي اعتقادنا أن هذا المقترح غير وجيه لأن الأحكام المتعلقة بالشغور في منصب الرئاسة ينظمها الدستور ولا القوانين العادية الأخرى.. ولا يجوز أن يمنح للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين نفس صلاحيات المحكمة الدستورية نظرا للاختلاف الكبير بين المؤسستين خاصة ان الفقرة الأخيرة من الفصل 120 من الدستور نصّت على أن المحكمة الدستورية تتولى المهام الأخرى المسندة إليها بمقتضى الدستور. وأمام هذا الفراغ الهام الناتج عن عدم إرساء المحكمة الدستورية يمكن التفكير في حلول وقتية وعملية وذلك بأن يتولى القيام بمهام المحكمة الدستورية في صورة حدوث شغور مجلس نواب الشعب باعتباره ممثل الشعب صاحب السيادة وهو مصدر السلطات ولكن بمعية المجلس الأعلى للقضاء... ع ر