نزع الرائد «محمد زكري» النّاطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الوطني فتيل المخاوف من خطر هروب الإرهابيين إلى تونس في خضم المعارك الدائرة في ليبيا مشدّدا على أنّ المؤسسة العسكرية قد اتخذت كل التدابير الاستباقية اللازمة للتوقي من كل الأخطار المحتملة أو حصول تدفق كبير للاجئين. تونس الشروق: ولاحظ في حوار شامل مع «الشروق» أنّ السنوات الأخيرة عرفت تحولا كبيرا في المعركة ضد الارهاب حيث تم القضاء على 106 إرهابيين وهو ما يؤكّد أن عددهم أصبح محدودا للغاية. وقدر من جهة أخرى تراجع ظاهرة التهريب بنحو 90 ٪ بعد انتهاج سياسة تجفيف المنابع التي تعتمد منظومة مراقبة متكاملة تتشكّل خاصة من الساتر الترابي والرقابة الالكترونية الثابتة والمتنقلة. كما أعلن عن إنشاء شركة خفية الاسم لتطوير نشاط تصنيع الخافرات الحربية في تونس بعد أن تمكن الجيش الوطني في الأعوام الأخيرة من تصنيع ثلاث حافرات بثلث سعر التوريد. الحديث الذي تناول أيضا إصلاح نظام الخدمة الوطنية وآفاق التكوين المهني بدأ بآخر المستجدات: رغم انقضاء قرابة تسعة أعوام على بروز الخطر الإرهابي فانه لا يزال قادرا على إرباك المشهد الوطني فما الذي يحول دون القضاء عليه نهائيا؟ ينبغي التأكيد أولا على أنّ ما حصل مؤخرا لن يقلص في عزم المؤسستين العسكرية والأمنية على اجتثاث الإرهاب من جذوره كما لا ينبغي أن يُغفل حقيقة واضحة وهي التحوّل الكبير في المعركة ضد الإرهاب منذ ظهوره عام 2012 حيث تم القضاء على 106 عناصر إرهابية أغلبهم سقطوا في معركة بن قردان والأهم من ذلك أن المعطيات التي نملكها تثبت أنه لا توجد عناصر جديدة... وقد مكّن القضاء على هذا العدد وقطع الإمدادات على الإرهابيين من جعلهم في حالة ضغط وارتباك دائم تدفعهم للمجازفة بالنزول إلى مراكز المدن بحثا عن المؤن ليقعوا في قبضة الوحدات الأمنية. بنبغي التذكير في السياق ذاته بأنّ وزارة الدفاع التي يتمثل دورها الأساسي في الدفاع عن حوزة الوطن وحدوده قد انخرطت منذ بروز الخطر الإرهابي في دعم المجهود الوطني من خلال مساعدة قوات الأمن الداخلي وذلك باعتماد مقاربة ترتكز أساسا على التكوين العسكري وتطوير المعدات بما يتلاءم مع خصوصية الحرب على الإرهاب فنحن لسنا إزاء مواجهة مع جيش نظامي بل مع عناصر تعتمد المباغتة وعدم المواجهة وزرع الألغام تقليدية الصنع. كما اعتمدنا في هذا الإطار على تدعيم علاقات التعاون مع جيوش البلدان الشقيقة والصديقة التي لا تملك تجربة في التعامل مع مجموعات مماثلة. لكن ألا تعتقد أن الدور العسكري والأمني لم يوازيه مجهود مماثل للقضاء على حاضنة الإرهارب والذي يتطلب سياسة تنموية وثقافية شاملة؟ المقاربة العسكرية والأمنية ليست كافية لوحدها للقضاء على الارهاب وهذه الحقيقة تثبتها حتى تجارب الدول الأخرى لذلك لا بدّ من مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار مجمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية ويكون محورها المواطن. وانطلاقا من هذا الوعي حرصت وزارة الدفاع الوطني على دعم مجهود الدولة خاصة على صعيد تنمية المناطق الصحراوية العميقة والمناطق الحدودية بشكل عام وفي هذا الإطار يندرج مشروع «رحيم معتوق» والمشروع الجديد بمنطقة «المحْدثْ» من ولاية قبلي الذي يهدف أساسا إلى خلق مواطن الرزق لفائدة متساكني هذه المناطق.. كما تحرص الوزارة في ذات الإطار على تعزيز منظومة التكوين المهني العسكري لفتح آفاق أوسع أمام الشباب. لا يمكن الحديث عن خطر الإرهاب دون طرح ملف التهريب فكيف تتعاطى الوزارة مع هذه الظاهرة؟ انتهجنا سياسة تجفيف المنابع من خلال ارساء منظومة مراقبة متكاملة تعتمد على الساتر الترابي والتشكيلات الدفاعية والمراقبة الالكترونية القارة والمتنقلة وهو ما مكن من التقليص في نشاط التهريب بنحو ٪90 حيث بلغت المحجوزات في الأشهر الخمسة الأخيرة على سبيل المثال 30 مليون دينار وحجز السلع المختلفة يتم بشكل يومي كما مكنت هذه المنظومة خلال الفترة ذاتها من احباط تسلل 700 فرد من جنسيات افريقية مختلفة من أو الى التراب التونسي. على ذكر تسلل العناصر الاجنبية هناك اليوم مخاوف فعلية من فرضية هروب الإرهابيين من لييا الي تونس في خضم المعارك الدائرة في عدد من المناطق الليبية... كيف استعدت تونس لهذا الخطر؟ أخذنا منذ اندلاع الاشتباكات كل التدابير الاستباقية اللازمة للتوقي من تسلل عناصر إرهابية أو حصول تدفق للاجئين مماثل لما حصل في بداية 2011 حين تدفق على تونس مليون و700 لاجئ نجحت وزارة الدفاع انذاك في التعامل معهم بشهادة حتى المنظمات الانسانية... ومن هذا المنطلق اتخذنا الاحتياطات اللازمة للتعامل مع السيناريوهات المحتملة على الحدود الجنوبية الشرقية حيث تم تعزيز التشكيلات العسكرية وتشديد المراقبة بالوسائل الجوية والالكترونية التي تساعد علي التفطن المبكر لكل التحركات المشبوهة ورغم أنه لم يحدث أي طارئ منذ اندلاع المعارك في 5 أفريل الفارط فإن المؤسسة العسكرية تواصل التعاطي مع الوضع بذات اليقظة. في المقابل تواجه المؤسسة العسكرية معركة أخرى قد لا تقل خطورة عن الواجهة البحرية في خضم تنامي مخاطر الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة العابرة للحدود مثل تهريب الأسلحة والمخدرات... كيف تتعاملون مع هذا الخطر؟ بالاضافة الى الأسطول الموجود وقع مؤخرا تدعيم جيش البحر باقتناء أربع خافرات جديدة متخصصة في مراقبة أعالي البحار وهو ما مكن دورياته من التواجد أكثر في عرض البحر حيث بامكان هذه الخافرات أن تبقى في المياه لمدة 15 يوما دون الحاجة الى اعادة تموين وهذا «الوجود الرادع» مهم جدا في التوقي من كل أصناف المخاطر . على ذكر الخافرات تقدمت المؤسسة العسكرية خلال الأعوام الأخيرة في تصنيع الخافرات الحربية في تونس وكان يُفترض أن تتمكن من توفير احتياجات كافة الأسلاك الناشطة في البحار مثل الحرس البحري والحرس الديواني البحري... ما هي آفاق هذا القطاع في تونس؟ا من منطلق الحرص علي تدعيم جاهزية جيش البحر والحد من تضخم النفقات العسكرية الناتج خاصة عن انزلاق الدينار اتجهت وزارة الدفاع في الأعوام الأخيرة الى التصنيع الذاتي للقطع البحرية الذي أنتج الى حد الان ثلاث خافرات حربية بكلفة لم تتجاوز 5٫5 ملايين دينار أي ما يعادل ثلث كلفة توريد معدات مماثلة من الخارج، وفي نطاق تطوير هذا النشاط تم مؤخرا تكوين شركة خفية الاسم في نطاق الشراكة مع القطاع الخاص هي الان بصدد استكمال الهيكلة المالية وهدفنا هو توفير الاحتياجات الذاتية لجيش البحر وحاجيات الحرس البحري والديواني ووزارة الفلاحة كما سجلنا رغبات من الخارج وأساسا دول الجوار لاقتناء الخافرات الحربية المصنعة في تونس. فيما تمثل الخدمة الوطنية أهم أركان المواطنة في أي بلد فانها عرفت تهميشا كبيرا في تونس دفع وزارة الدفاع الى صياغة مشروع قانون جديد فما هي أهم ملامح هذا الأخير؟ المنطلق كان تقييما أنجزته وزارة الدفاع لتشخيص تفاقم ظاهرة عزوف الشباب عن الخدمة الوطنية حيث من اجمالي 18 ألف شاب كانوا معنيين بهذا الواجب عام 2017 لم يتقدم للتجنيد من تلقاء نفسه سوى ما يناهز 500 شاب وهذا التشخيص كان منطلق ملتقى وطني أفرز جملة من التوصيات التي تم إثراؤها بسبر آراء قبل إعداد مشروع قانون معروض الان على السلطة التشريعية ويقوم أساسا على وجوبية تسوية الخدمة الوطنية لكل مترشح للانتدابات سواء في القطاع العام والخاص طبقا للفصل التاسع من الدستور كما يلغي مشروع القانون التعيينات الفردية بوصفه يتعارض مع مبدإ المساواة ويقترح في المقابل ادراج الخدمة المدنية لدى الوزارات والمؤسسات العمومية كشكل من أشكال الخدمة الوطنية. في نفس الاطار يتجه مشروع القانون نحو تحقيق المساواة بين الذكور والاناث أمام الخدمة الوطنية؟ بالفعل لكن سحب واجب الخدمة الوطنية على الفتيات سيكون بتدرج بالتوازي مع تطوير البنية الأساسية العسكرية بما يتلاءم مع خصوصية تجنيد الاناث. رغم حرص وزارة الدفاع الوطني على فتح الآفاق أمام الشباب من خلال شبكة مراكز التكوين المهني العسكرية فان هذه الأخيرة تبدو محدودة... هل تعتزم الوزارة توسيع هذه الشبكة؟ في نطاق معاضدة مجهود الدولة في مجال التكوين المهني توفر وزارة الدفاع الوطني فرص تكوين في اختصاصات متعددة من خلال شبكة تضم عشرة مراكز وتؤمن 1500 موطن تكوين والوزارة حريصة على تدعيم هذه الشبكة حيث يجري حاليا انجاز مركز تكوين مهني في جرجيس متخصص في ا لغوص والاشغال تحت الماء وهي اختصاصات واعدة تتميز بتشغيلية عالية سواء في تونس أو الخارج كما يجري استكمال الدراسات الفنية لبعث مركز متخصص في مهن البحر بمنزل بورقيبة ومركز التكوين المهني في سيدي بوزيد، علما وأن أغلب خريجي منظومة التكوين المهني العسكرية يقع توظيفهم مباشرة اثر التخرج وهناك أصحاب مؤسسات قاموا بانتداب دفعات كاملة. الحرب على الإرهاب في أرقام شارك 60 ألف عسكري في الحرب على الإرهاب نفذ الجيش الوطني في الأشهر المنقضية من هذا العام 1500 عملية عسكرية شهدت الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام احباط 20 لغما تقليدي الصنع يؤمن الجيش الوطني أكثر من 60 منشأة حسّاسة