إن مِن رحمة الله بعبده الضعيف أنْ فتح له بابَ التوبة وأرشَده إلى طريق المحاسبة، وبيَّن له أهمية محاسبته لنفسه قبل أن يقف أمام الله تعالى فيحاسبه على أعماله، وحركاتِه وسكناته. إن المسلم الحقَّ يعطي نفسه حقَّها من صقل الروح بالعبادة. فيُقبِل على عبادته بنفسٍ هادئة، فيُصلِّي في هدأةِ نفس، وصفاء فكر، وعقل واعٍ لما يتلو ويدعو في صلاته. ثم يخلو إلى نفسه فيسبِّح ربه. ويتلو آياتٍ من كتابه. ويتأمل معاني ما يجري على لسانه. وبين حين وآخر يستعرضُ حاله وتصرفاتِه وأعماله، محاسبًا نفسه إن ندَّتْ عنها مخالفة، أو بدا منها في حق الله تقصيرٌ. وبذلك تؤتي العبادةُ ثمرتَها المرجوَّة؛ من تزكية النفس، وتصفية الوجدان من أدران المعصية والمخالفة. وهذه حال كلِّ مسلم تقيٍّ. فهو قد يخطئ وقد يقصر. ولكنه سرعان ما ينخلع من زلَّته. ويستغفر الله من خطئه. ويستبرئ من تقصيره. ويتوب من ذنبه. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 201]، ولهذا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ لأصحابه: (جدِّدوا إيمانكم)، قيل: يا رسول الله ، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: (أكثِروا من قول: لا إله إلا الله) . فمِن كمال تقوى الله أن يستعين المسلم دومًا على تقويةِ روحه وتزكية نفسه بدوام العبادة، والمحاسبة، ومراقبة الله، وخشيته. وبذلك يبقى مستقيمًا لا يجورُ ولا ينحرف ولا يظلم. ومحاسبة النفس من الأمور التي ينبغي أن يحرِصَ عليها العبد المؤمن؛ لئلا تنطلق بهواها كيفما شاءت. فإن حاسَب نفسه اكتشف وجهَ القصور الذي قصَّره تجاه خالقِه والناس. فيتوقف عن مواصلة هذا التقصير. ثم يتخلص منه عن طريق التوبة، وطاعة الله تعالى، وإعطاء الناس حقوقَهم. والمحاسبة كذلك تكشف للمسلم حصَّته من الطاعة التي قام بها. فيشكر الله ويحمده بأن وفَّقه إليها. فيعاودها ثانية وثالثة ورابعة . قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]، وبهذا يتبين لنا فضلُ المحاسبة وأهميتها. ويؤكده قولُ عمر بن الخطاب: «حاسِبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا، وزِنُوها قبل أن توزَنوا، وتزيَّنوا - أي: بالعمل الصالح والتقوى - للعرض الأكبر». وعن ميمون بن مِهران قال: «لا يكون العبد من المتَّقين حتى يحاسب نفسَه أشدَّ من محاسبة شريكه والشريكان يتحاسبان بعد العمل». وعن الحسن البصري: المؤمن قوَّام على نفسِه يحاسبها لله، وإنما خفَّ الحساب على قومٍ حاسَبوا أنفسهم في الدنيا. وشقَّ الحساب على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة.