على هَامش الانتصار الباهر للجزائر على حساب غينيا صَاح الجمهور التونسي من أعماقه فَرحا بترشّح الأشقاء إلى الدّور ربع النهائي لكأس افريقيا. هذه الصّيحات والهُتافات التي هَزّت مَقاهينا وشَوارعنا ليست بالعَادية وتكاد تشعر في لحظة ما أن الأمر يتعلّق بفوز تونس لا الجزائر التي بان بالكاشف أنها الأقرب إلى قلوبنا. ولا تُساورنا ذرّة شك في أن الأشقاء يُبادلوننا بدورهم المودّة نفسها وربّما أكثر. أصحاب النّظرة السطحية سيقولون حتما إن التشجيع التونسي للأشقاء مردّه القُرب الجغرافي والإعجاب بأداء فريق جمال بلماضي فضلا عن تواجد عدد من النجوم المشهورة والمحبوبة في تونس والعالم مِثل بغداد بونجاح ويوسف البلايلي ورياض محرز. هذه القراءة فيها جانب من الصِّحة لكنّها لا تُلامس الأسباب البعيدة لوقوف الجماهير التونسيةوالجزائرية في "فيراج" واحد. والحقيقة أن المسألة أعمق وأكبر من مُجرّد نُصرة الجَار لجاره في مباراة رياضية. ولا يُمكن فهم هذه الوِحدة الاستثنائية دون الرّجوع إلى التاريخ الذي كتب بالذهب عن اختلاط الدّماء التونسية - الجزائرية في مَلحمة ساقية سيدي يوسف عام 1958. وقد جاءت تلك الأحداث الدامية لتدفع الشعبين الشقيقين إلى الوقوف في وجه المُستعمر الفرنسي بقلب رجل واحد وتحت راية واحدة. هذه النِّضالات المُشتركة ضدّ الاستعمار المَقيت تَعزّزت بفضل الكرة التي أدرجها الجزائريون ضِمن "الأسلحة" المُراهن عليها في مَعركة التحرير. ويُحدّثنا التاريخ بإعجاب كبير عن استقبال الزعيم بُورقيبة لفريق جبهة التحرير الوطني في 1958. وكان الأشقاء قد أسّسوا هذا المنتخب سرّا واختاروا اللّجوء إلى تونس دون سائر البلدان ليقينهم بأنها ستمنحهم الأمان وتدعم كِفاحهم إلى حين النّصر. لقد ألغى الشّعبان التونسيوالجزائري الحُدود الوَهمية بينهما مُردّدين: "دزيرية وتوانسة خاوة خاوة". وهذا الشّعار ثابت ونلمسه يوميا على أرض الواقع بدليل جَحافل السيّاح الجزائريين الذين يتدفّقون على بلادنا صيفا وشتاءً بل أن الكثيرين منهم ألحوا على مُضاعفة الحُضور عندما اشتدّت أزمتنا وتعبت سياحتنا بفعل الضَّربات الإرهابية الجَبانة. ويزداد الجسر الرابط بين بلدي طارق وماجر متانة وصلابة في ظلّ علاقات المُصاهرة بين العائلات التونسيةوالجزائرية وهذه الظاهرة لم تقتصر على عامّة الناس بل أنها شملت كذلك نجوم الكرة وفيهم بعض عناصرنا الدولية مثل صيام بن يوسف ونعيم السليتي. ويشهد الطريق الرابط بين تونسوالجزائر على "جيش" اللاعبين والمدربين الذين اختاروا التنّقل والعمل بين البلدين دون أن يشعروا يوما بالغُربة ومن هؤلاء نستحضر على سبيل الذِّكر لا الحَصر الحبيب دراوة وعبد الحق بن شيخة وفضيل مغاريا وعبد العزيز بن تيفور ورشيد المخلوفي (من الجزائر) وحمادي هنية وعبد الوهاب لحمر ونبيل الكوكي ووجدي الصّيد (من تونس)... وغيرهم كثير. وبالعودة إلى ال"كَان" نؤكد أن التونسيين يُشجّعون فريق بلماضي حُبّا في الجزائريين الأحرار والأبطال لا هؤلاء الذين يستغلّون "المِيكروفون" لعزف النّشاز. وفي الخِتام نقول هنيئا لتونس بهذا الجَار الرائع والشّهم وهَنيئا للجزائر بهذا الشّقيق الذي ضَحّى بدمائه نُصرة لبلد المليون ونصف المليون شهيد. عاشت تونس. "1.. 2.. 3.. فِيفا لالجري".