على الرغم من اقتراب الموعد الانتخابي، يتواصل العراك السياسي على أكثر من صعيد، وتتواصل التجاذبات بين أكثر من طرف، بما يُكثّف من ضبابيّة المشهد السياسي ويُعسّر مهمّة استشراف المآلات التي قد تذهبُ إليها الحياة الوطنيّة مُستقبلا. وقعت النخبة السياسيّة منذ فترة في بوتقة صراع خاطئ على السلطة، ومن مظاهره محاولة تشكيل التوازنات السياسية والحزبيّة عنوة وسعي محموم لاستباق نتائج صناديق الاقتراع وبلورة سيناريوهات وترتيبات لما بعد 2019 بشكل استباقي فيه الكثير من التسطيح والتلاعب بمعطيات الواقع وحصر الاهتمام في الغنائم الضيّقة، ومرّات الشخصيّة، دون أخذ حاجيات البلاد واستحقاقات المرحلة التاريخية الفارقة التي تعيشها التجربة الانتقالية الديمقراطيّة. تهاوت النخب، بجميع ألوانها، إلى صراعات جانبيّة، فيها الكثير من العبث والصبيانيّة، وذهبت الممارسة السياسيّة إلى الكثير من الفوضى والاتهامات المتبادلة ومحاولات التشويه وتوجيه أنظار الرأي العام والركوب على الأحداث والإمعان في حروب الملفات القذرة وتوظيفها في معركة الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها، معركة كان يُفترض أن تدور في أجواء تنافسيّة نزيهة وشفّافة تقدّم قضايا الشعب ذات الأولويّة على ما سواها من القضايا الهامشيّة والفئويّة. تُشكّل الانتخابات العامَّة القادمة محطّة تاريخيّة، بل مصيريّة، لكسب رهان وضع تونس في مصاف الديمقراطيات الدائمة والمستقرّة، ولكن واقع الحال يكشف عن مخاوف فعليّة من أن تُفضي تلك الانتخابات إلى مشهد مضطرب لا يدفعض إلى التفاؤل بقدر ما يدفع إلى انتظارات سيّئة، في ظل ارتفاع وتيرة التطاحن الحزبي والسياسي ومظاهر العنف، المادي واللفظي، وتراجع منسوب الثقة بين مختلف الفاعلين السياسيّين وغياب رؤية موحّدة وجامعة لإنجاح عمليّة نقل السلطة سلميّا نهاية هذا العام والانطلاق في مسار الانقاذ الاجتماعي والاقتصادي، الذي بات مُستعجلا ويقبلُ المزيد من التأخير أو الإبطاء. لا يُمكن للانتخابات أن تتحوَّل الى غاية في حدّ ذاتها، لتكريس واقع مأمول أو تحقيق أجندات ومشاريع استباقية، إنّما هي وسيلة لتحكيم الإرادة الشعبيّة وفرز موازين القوى الحقيقيّة بشكل موضوعي وواقعي، لا مصطنع وموهوم، ومزيد تعزيز أركان الديمقراطيّة وتصعيد القوى الكفأة القادرة على معالجة أوضاع البلاد المهزوزة ودفع الناس إلى التفاؤل بالمستقبل. تحجبُ المعارك الهامشيّة أمام الأحزاب والسياسيّين، للأسف، إمكانيات واسعة لاستثمار مؤشرات إيجابيّة واعدة، منها خصوصا تطوّر أداء القطاع السياسي وموسم الإنتاج الفلاحي المتميّز ونجاح الموسم الدراسي واستقرار سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبيّة، مع ما يتوفّر من خطوط للشراكة والتعاون مع الدول الصديقة والشقيقة وتعزيز فرص التعاون الخارجي ومجالات الاستثمار الأجنبي في بلادنا. المخاوف من بقاء حال البلاد بعد 2019 على ما هي عليه مشروعة، بحكم إمعان النخبة في ممارسة سياسيّة تشتغلُ على قاعدة الغاية تُبرّر الوسيلة والأهواء والمنازع الضيّقة، والتي تنظرُ إلى الاستحقاقات الانتخابيّة من بوّابة الإقصاء والاستبعاد والبحث عن تحطيم الخصوم والمنافسين، وإلى الوصول إلى السلطة سبيلا للسمسرة والغنائميّة وتحقيق المصالح الضيّقة البعيدة عن مصلحة البلاد العليا.