تعيش أغلب مناطق البلاد في هذه الفترة على وقع المهرجانات الصيفية والأيام الثقافية التي انتشرت تقريبا في كل جهات البلاد التونسية خاصة مع الدعم الاستثنائي الذي حظيت به كل الولايات تقريبا في بداية هذه الصائفة .. التظاهرات الثقافية الصيفية في تونس ليست حدثا عابرا أو مستحدثا . بل انطلقت البلاد في تنظيمها منذ الستينيات وفق رؤية مستلهمة من التجربة الفرنسية تقوم على الترفيه والانفتاح على الثقافات الأخرى ودعم السياحة الداخلية والتعبئة الثقافية والدفع بالإبداع وتقريبه الى الجمهور. هذه الرؤية ولئن حافظت بلادنا عليها منذ كانت تحت إشراف كتابة الدولة للأخبار ، إلا أنها بانتشار الجمعيات وتوليها مسؤولية تسيير المهرجانات زاغ بعضها عن أهدافه السامية. واكتفى بعدد من السهرات الفنية التي على أهميتها في تقريب الإبداع للمتلقي ، لم تتجاوز ذلك لتحقيق أهداف أسمى وأرفع تتجه إلى التنمية وتنشيط الحياة التجارية والسياحية الداخلية والخارجية . فالمهرجانات لا يمكن أن تكون مجرد مناسبات احتفالية خالية من الأهداف التنموية أو السياحية أو الإبداعية . بل هي وسيلة لتحقيق هذه الأهداف وغيرها من الأهداف السامية وفق توجه وطني يتجاوز الترفيه – على أهميته – ليساهم في إبراز المخزون الثقافي لكل جهة وتسليط الأضواء على بعض المدن والمناطق التي رغم أهيمتها كقبلة سياحية أو إبداعية يلفها النسيان في زحمة الأحداث. تونس الزاخرة بالمناطق الجميلة الساحرة الجذابة والتي تتمتع بزخم تاريخي وحضاري عميق ، بإمكانها توظيف مهرجاناتها الصيفية وغير الصيفية لإبراز كل هذه الخصائص والمميزات خدمة للأبعاد التنموية خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تستوجب تكاتف كل المجهودات للدفع بالتنمية والاستثمار . صحيح أن الهدف الواضح من المهرجانات هو التعبئة الثقافية والفنية للمستهلك الثقافي باعتبار أن مثل هذه التظاهرات تعمل على نشر الثقافة والفنون وتقريبها من العامة لتطوير نمط حياتهم وأسلوب عيشهم مع الترفيه عن المعزولين في المناطق الصغيرة والنائية. لكن مع ذلك يمكن تحقيق هذه الأهداف مع دعمها بأهداف أخرى تستجيب للواقع المعاش و تتناغم مع الآني . فتقريب الثقافة من المواطن العادي لم تعد هدفا أساسيا باعتبار أن وسائل الاتصال الحديثة نجحت في «افتكاك «هذا الهدف . لذا المطلوب اليوم «رسكلة» هذه المهرجانات وتجديدها وفق استراتيجية تقطع مع السائد وتطوع العمل الثقافي للتنمية المحلية والجهوية والوطنية . وهذا لا يمكنه أن يتحقق دون توفير أسباب النجاح القائمة أساسا على الدعم المالي واللوجستي وتعميم الفضاءات الثقافية والمسارح .. فأغلب المهرجانات الصيفية « فقيرة « ومازالت تقام في « البطاحي « والأسواق وبعض الفضاءات التربوية . وهي فضاءات لا تستجيب لمواصفات الأعمال الإبداعية. ولا ترتقي بالذائقة العامة التي سجلت تراجعا واضحا في السنوات الأخيرة ببعض الأعمال التجارية المعروضة بالقنوات الفضائية .. مهرجاناتنا اليوم لا بد أن تتحول إلى نافذة للاطلاع على الثقافات الأخرى وباب واسع للتعريف بالثقافة المحلية والوطنية، ومنصة لدعم المبدعين وخلق روح المنافسة بينهم لخلق مشهد ثقافي أفضل ..والأهم في تقديرنا الدفع بالمشهد التنموي..