تطرح عملية الرجوع في المصادرة تداعيات واقعية على أعمال التصرف في الأموال المصادرة وحقوق الدولة وبالتالي فإن كافة الأعمال والقرارات المتخذة من قبل اللجنة الوطنية للتصرف تصبح مهددة بانعدام الموضوع. وهو ما من شأنه ضرب كامل مرسوم التصرف في الأموال المصادرة . تونس (الشروق) ويتعين وفق أهل الاختصاص التقييد بأحكام الفصول 11 و19 من مرسومي المصادرة والتصرف في الأموال المصادرة الذي أسند الى القضاء اختصاص التثبت من شرعية قرارات المصادرة وذلك بإقرارها أو الغائها أو إيقاف تنفيذها . ونظرا الى عدم وجود توافق بخصوص هذا التأويل تم طرح الموضوع على المستشار الرئيس بنزاعات الدولة منير الشاذلي المختص في القانون العام لبيان المذاهب المتعددة في تأويل هذا الطرح وبيان آثاره المباشرة على حق الملكية والمال العام. هناك من يعارض رجوع لجنة المصادرة في قراراتها. فماهي مبرراتهم ؟ فعلا هناك من شراح القانون من يمنع قطعا عملية الرجوع في قرارات المصادرة باعتبار استقرار الأملاك التي تمت مصادرتها في ملك الدولة بموجب مرسوم وقرارات المصادرة ، فإنه لا يمكن الرجوع في قرارات المصادرة ولو لخطإ بينما لم يتم التنصيص على ذلك صراحة في المراسيم المنظمة لعملية المصادرة أو لعملية التصرف. وعلى هذا الأساس فإنه لا يمكن تأويل مقتضيات المراسيم المذكورة بإضافة وجه تصرف (الرجوع) لم تنص عليه القوانين المذكورة ولا القوانين المتعلقة بالتصرف في الأموال العمومية خاصة أن الفصل 25 من مجلة المحاسبة العمومية ينص على أنه :» لا يجوز ترك حقوق أو ديون راجعة الى الدولة... إلا بمقتضى قانون «. يضاف إلى ذلك أن قرارات المصادرة انبنت على اجتهادات من لجنة المصادرة في خصوص ثبوت قرينة فساد مصدر اكتساب الأموال والحقوق وعلاقتها بالرئيس السابق وأصهاره. وبالتالي لا يجوز إعادة النظر في نفس هذا الاجتهاد مرة ثانية عملا بالمبدإ الأصولي «لا اجتهاد على الاجتهاد» ولو في صورة الخطإ البيّن خاصة أن قرارات المصادرة قابلة للطعن أمام القضاء بشقيه العدلي والاداري. وكان من الأسلم قانونا وتجنبا لكل الشبهات ترك مسألة تقدير اجتهاد لجنة المصادرة للجهة المخولة قانونا في إعادة النظر في هذه القرارات وهو القضاء. فقه قضاء المحكمة الادارية المستقر يخول سحب القرارات الادارية غير المشروعة. فلماذا لا يطبق ذلك على قرارات المصادرة ؟ تعد قرارات المصادرة قرارات إدارية بامتياز لاستجابتها لمقتضيات الفصل ال3 من قانون المحكمة الإدارية من حيث تعلقها بالمادة الإدارية وذلك لاستعمال صلاحيات السلطة العامة لغاية التأثير في مراكز المنظورين. ومن ثمة فإن قرارات الرجوع في المصادرة تعد قرارات سحب لمقررات إدارية. و كان يتعين على لجنة المصادرة القيام بهذا الاجراء خلال الآجال القانونية المنصوص عليها بالفصل 37 (جديد) من قانون المحكمة الادارية (شهران من تاريخ العلم بالقرار ). وهو ما أقره واستقر عليه فقه قضاء المحكمة الادارية عملا بمبدإ استقرار الوضعيات الادارية ومبدإ الحقوق المكتسبة فغدا معه سحب قرارات المصادرة بعد فوات آجال الطعن ماسا بالحقوق المكتسبة للدولة. ما هي المبررات المعتمدة التي تجيز رجوع لجنة المصادرة في قراراتها بعد فوات آجال الطعن؟ في الواقع لا نجد قرارات رجوع. بل قرارات تعديل كلي أو جزئي . وجريان العمل يستند الى قرارات تعديل كلي أو جزئي طبقا لاثبات تخرج المال من نطاق المصادرة. وتتمسك في هذا الصدد لجنة المصادرة باختصاصها الأصيل في مراجعة قراراتها وفقا لولايتها العامة المستمدة من مرسوم المصادرة وفقا لتوازي الصيغ والإجراءات. وهو ما يخول لها المراجعة والسحب والاصلاح . كما أن المبادئ العامة للالتزامات تجيز إصلاح ومراجعة الخطإ البين هذا إضافة الى أن صاحب الحق لا يمنع من التظلم سواء كان تظلما قضائيا أو على وجه الفضل عملا بأحكام المرسوم . ويمكن أن نضرب مثال على ذلك عقار تنسب ملكيته لشخص مصادر في حين يتضح أنه سبق بيعه وقبض ثمنه قبل صدور مرسوم المصادرة وعليه فإن خطأ ارتكب بمصادرته لأن الوثائق الادارية غير محينة. ولم تكن اللجنة على علم بذلك. كيف تتم -عمليا- عملية مراجعة قرارات المصادرة؟ يمر الملف وجوبا بالمراحل التالية: - تقديم مطلب تظلم للجنة المصادرة يبين الخطأ المبرر للمراجعة الجزئية أو الكلية. - إحالة الملف إلى الخلية الفنية بلجنة المصادرة وتعهيد عضو مقرر لتهيئة الملف وانجاز التحريرات والأعمال الاستقرائية الضرورية. - إذا ما ثبتت جدية المطلب للجنة حسب سلطتها التقديرية يقع إعلام اللجنة الوطنية للتصرف في الأموال المصادرة والمعنية بالاسترجاع بوجود مطلب تظلم ضد قرار المصادرة. - يقع عرض الملف ومؤيداته على جلسة تمهيدية تضم العضو المتعهد بالملف والمقرر ورئيس لجنة المصادرة ورؤساء الخلايا الفنية (خلية المنقولات / خلية العقارات/ خلية السيارات / خلية الشركات...) وتقع صلب هذه الجلسة دراسة أولية للملف شكلا وأصلا والتثبت من استيفاء الأبحاث حوله ليقع إقراره ضمن الجلسة العامة من عدمه. - يتم عرض تقرير مفصل حول مطلب التظلم على الجلسة العامة المتكونة من الأعضاء المعينين بصفاتهم حسب مرسوم المصادرة طبقا للفصل 3 منه. ويمكن استدعاء المعني بالأمر لسماعه. - تتم المداولة واتخاذ قرار (المراجعة ) أو بالرفض أو بإرجاء النظر لمزيد البحث. ويقع تضمين القرار بمحضر جلسة ممضى من قبل الأعضاء الحاضرين. - يقع إصدار قرارات في المراجعة وإعلام الهياكل المعنية. وهي بالاساس لجنة التصرف في المال المصادر. ويكون القرار متضمنا في حيثياته لكيفية التعهد بمطلب المراجعة والأسانيد والمؤيدات المعتمدة في ذلك. ما هو موقفكم الشخصي من مسألة الرجوع في قرارات المصادرة ؟ الرأي عندي يتمحور حول نقطة مفصلية إذا كان قرار المصادر المعني بالمراجعة قد سبق عرضه على القضاء وقضي بشرعيته فإن الادارة تكون ملزمة باتباع موقف المحكمة الذي يكتسي قرينة حجية الأمر المقضي به أما إذا كان قرار المصادرة لم يحسم قضائيا فإن اللجنة لها سلطة تقديرية دنيا بما يخول لها المراجعة في صورة الخطإ البين فقط.