ما من شك في ان مشكلة محو الامية في اقطار الوطن العربي هي واحدة من المشكلات الاكثر الحاحا وضغطا على امكانيات تطور البنية العربية وتقدمها اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ومنذ ان تفتحت عيوننا على الحياة من حولنا ونحن جميعا نحس بمهانة هذا العار الذي يستشري في مجتمعنا وكنا نقرأ الإحصاءات التي تصدرها الهيئات الدولية او تصدرها حتى الجهات المحلية المعنية ونضع ايدينا على وجوهنا من بشاعة الارقام. وكنا ننصت الى من يتحدثون عن الاشتراكية – وما اكثرهم – في بلادنا و لا نملك سوى الدهشة والتعجب اذ كيف يمكن ان تؤمم المصانع او البنوك او المؤسسات مهما كانت اهميتها ولا تؤمم المعرفة الإنسانية كيف يمكن الحديث عن اعادة توزيع الثروة المادية و لا يسبقها او لا يواكبها او حتى لا يعقبها توزيع عادل للثروة الإنسانية اليس الانسان هو اثمن رأسمال كما تقول كل المذاهب والمدارس والعقائد الاشتراكية؟ بل من يبني هذه الاشتراكية؟ ايمكن لأية اشتراكية حقيقية ان يبنيها الموظفون والبيروقراطيون والتكنوقراطيون في غيبة المشاركة الفعلية – لا المظهرية – للجماهير صاحبة المصلحة الاولى والأخيرة في اية اشتراكية؟ وكيف يمكنها ان تشارك بالفعل ان تمارس بالفعل وهي تفتقد الالمام بالأبجدية الاولى او بالعمليات الاولية في مبادئ علم الحساب؟ الم يكن ذلك كله تزويرا وتزييفا وطمسا للحقائق ولمظاهر الواقع الكئيب في مجتمعاتنا العربية؟ لقد كانت الأرقام و الإحصائيات عن مستويات الأمية في الوطن العربي مفزعة. عليك بتأملها ، ولك بعد ذلك ان تتحدث – ان اردت – عن التنمية والتصنيع واللحاق بالعصر الجديد ما شاء لك الوهم ان تتحدث. فلن ينصت اليك احد ولك ان تتحدث – ان اردت – عن ماضينا وتراثنا وحضارتنا الغابرة ماشاء لك التمسك بالعز القديم الزاهر، فأغلب الظن ان الذين لا يقرؤون التاريخ لن يصدق منهم احد. فعالم اليوم لم يعد يتذوق شعر المعلقات في الاطلال ولم يعد يفهم غير لغة القوة العلمية والاقتصادية التي تؤدي الى القوة العسكرية المستقلة ولم يعد ينجذب لغير مشاهدة الصواريخ العملاقة التي تدفع بإنسان الربع الاخير من القرن العشرين الى السير فوق ارض القمر. وليس بوسع المرء ان يتصور ان ثمة عربيا مهما كان موقعه السياسي او اتجاهه الفكري لم يستشعر في نفسه عزة حقيقية وهو يقرأ القانون الذي صدر في النصف الثاني من عام 1978 عن مجلس قيادة الثورة العراقية الخاص بالحملة الوطنية الشاملة لمحو الامية الالزامي الذي يتعلق بسدس سكان العراق وتحدد له سقف زمني هو ثلاث سنوات فقط. من نافل القول ان نشير هنا الى القيمة الكبيرة التي ينطوي عليها هذا القانون سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وحضاريا ومن العبث ان نعيد القول في طبيعة عصرنا الذي يوصف تارة بأنه عصر التكنولوجيا وتارة اخرى بأنه عصر الجماهير او ان نتحدث عن علاقة ذلك كله بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والحضارية او بالديمقراطية الحقيقية في معناها الذي يتعدى مجرد الواجهات البرلمانية الشكلية ذلك كله الآن بات حديثا معادا مكررا ومن المفارقات الغربية ان كل اجهزة الاعلام في الاقطار العربية ومعظم (دساتيرها) و(دساتير) احزابها لا تمل من إعادته وتكراره. ومع ذلك فالقطر العربي الوحيد الذي سوف يبادر بمحو هذا العار من فوق جبينه هو العراق، فلن ينتهي عام 1981 حتى تكون الرؤوس العربية التي لفها الظلام قرونا طويلة وكان قمينا به ان يلف اجيالها القادمة عقودا اخرى من السنين سوف تضئ في النهاية كقناديل مشعة بالأمل على طريق الثورة العربية. والأمر الذي لاشك فيه ان التطبيق المبدع لهذا القانون سوف يؤدي الى قفزة حضارية في المجتمع العراقي ويؤدي بالضرورة كذلك الى تغيرات عميقة الغور في المفاهيم والأفكار والعادات والأعراف والتقاليد والممارسات بحيث يمكن للعراق في ظل سلطته الثورية ان يقدم مثلا ملهما للأقطار العربية الاخرى. يتبع